حفار القبور || القصيدة

حفار القبور || القصيدة


حفار القبور || القصيدة

حفار القبور || القصيدة,حفار القبور || مهنة مرعبة,حفار القبور,حيوان حفار القبور,قصة حفار القبور,حفار القبور بالانجليزي,حفار القبور في المنام,نباش القبور علي موقع كلام نيوز.

حفار القبور || القصيدة

التعريف بالشاعر:

بدر شاكر السياب (24 ديسمبر 1926-1964م) شاعر عراقي ولد بقرية جيكور جنوب شرق البصرة.ويؤكدالباحث جمال الدين فالح الكيلاني وهوباحث متخصص بالانساب ان ال السياب في البصرة من قبيلة ربيعة العدنانية وان جدهم سياب من امراء ربيعة وهذاماكدته الروايات والمصادر التاريخية المتعلقة بالموضوع وهذه الاسرة انجبت العديدمن رجال العلم والادب والسياسة في تاريخ العراق الحديث .

درس الابتدائية في مدرسة باب سليمان في أبي الخصيب ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية وتخرج منها في 1 أكتوبر 1938م. ثم أكمل الثانوية في البصرة ما بين عامي 1938 و 1943م. ثم انتقل إلى بغداد فدخل جامعتها دار المعلمين العالية من عام 1943 إلى 1948م، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة أتيحت له الفرصة للإطلاع على الأدب الإنجليزي بكل تفرعاته.

نص قصيدة حفار القبور:

ضوء الأصيل يغيم كالحلم الكئيب على القبورواه كما ابتسم اليتامى أو كما بهتت شموع
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموعوالمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور
كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم
برزت لترعب ساكنيه
من غلرفة ظلماء فيه
وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم
من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد
والجو يملؤه النعيب
فتردد الصحراء في يأس واعوال رتيب
أصداءه المتلاشيات
والريح تذروهن في سأم على التل البعيد
وكأن بعض الساحرات
مدت أصابعها العجاف الشاحنات الى السماء
تومي الى سرب من الغربان تلويه الرياح
في آخر الأفق المضاء
حتى تعال ثم فاض على مراقيه الفساح
فكأن ديدان القبور
فارت لتلتهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق
وكأنما أزف النشور
فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق
وتدفع السرب الثقيل
يطفو ويرسب في الأصيل
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات
وظلاله السوداء تزحف كالليالي الموحشات
بين الجنادل والصخور
وعلى القبور
وتنفس الضوء الضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالجثام
ثم ارتخت تلك الظلال السود وانجاب الظلام
فانجاب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور

شرح القصيدة:

إذ يقول السياب  في قصيدة (حفار القبور) (ضوء الأصيل كالحلم الكئيب على القبور      

واه كما ابتسم اليتامى او كما بهتت شموع

في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع

والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور) في تقابلية ضوء الأصيل مع ابتسام اليتامى لتقدم لنا بهت الشموع داخل جو كئيب في القبور …انه سرد يحيل المتلقي لهذا الترتيب …ما زال النتيجة مدرج نائي تهب عليه أسراب الطيور …فالتشبيه والاستعارة في هذا النص قوة فاعلة في القصيدة يعتمدها السياب بلغة قيمة تبني النص دراميا وتشكيليا باعثة بهجة التلقي لدى القارئ …

(كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم) (وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم) (من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد) فالشباك رمزية ، لان البلادة ترمز للتعقل والمعقول والمحسوس من باطن العقل بخصائصه العامة …(فالشباك بليد مقام العقل) كونه الحل الثاني بعد الباب . والوصف لدى السياب لمكان فضاء الأفق المفتوح يأخذ طابع السوداوية القاتمة التي تجعل الجو (يملئه النعيب) (وتردد الصحراء من باس واعوال رتيب) كما في الأفق الضيق (المكان المغلق) (في غرفة ظلماء فيه) إذن ثمة بؤس يكتنف النفس في (ذات الشاعرة) ليفصح عن الحالة النفسية في زمن كتابة النص .

ان الاستدعاء السوداوي الذي يجثم على صدر المرء في هذا العالم لو كان مجبولا جبريا وقسرا سيجعل الأرق حليفا لتلك الذات والانا الشعرية لدى السياب بتشبيهاتها واستعارتها في تشكيل بنية النص سترى وضوحية تامة في الحفاظ على إملاء المكان سوداوية تامة لتحوش كل شخوص النص التي يوزعها بوعي تام (فكان ديدان القبورفارت لتلتئهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق) إذن ثمة ضوء على حافة الانهيار يلتهمه الماضي الحاضر بقوة …وما يصدق على التقطيع  والتوقف والعودة للقطة الدرامية من قبل مخرج النص ….

حفار القبور || القصيدة

(وتنفس الضوء الضئيل) ان قسوة تلك المهنة التي تقمصها الشاعر افرز لها نصا عالي القيمة في التشبيه …اذا يقول أيضا (كفان جامدتان ابرد من جباه الخاملين …) (وفم كشف في جدار …..مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار) الاستوحاد مع الصخور التي جاءت من أنقاض الدار ولكنها صماء لا تساعده على مضغ جوعه وهو ينتظر طويلا جثث الموتى ليقتات عليها ..

(عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق …وبلا دموع في الفضاء …هو ذا المساء) إذن دعونا نتساءل عن ماذا هذا الانتظار ولمن وكيف ؟ (خال فلا نعش يلوح على مداه ولا عويل…. ألا النعيب…. وتنهد الريح الطويل) ليتوجه النص الى حوارية (مونلوغ) (يمناه في وجه السماء وصاح رب أما تثور … فتبيد نسل العار تحرق بالرجوم المهلكات) وفيها نصا حور مسرحي بارع في التشكيل والبنية البنائية ….(يمناه في السماء وصاح):

– رب أما تثور … فتبيد نسل العار …تحرق بالرجوم المهلكات.

ويستمر الاسترسال في النص المطول:

(يا رب ما دام الفناء…. هو غاية الأحياء فأمر يهلكوا هذا المساء). لماذا يا سياب ؟

(سأموت من ظمأ وجوع). أذن أي جوع الذي يجعل المرء يطلب من الرب بفناء الإحياء …ما زالت حتمية الفناء قدرا للجميع !!!! ليستمر إيقاع الزمنية في النص وقد توزعت الأفعال والتشبيهات لتكون مجازاً تارة وتارة إحالة وأخرى مرمزات دلالية …(يا رب أسبوع طويل مر كالعام الطويل….. والقبر خاو يفغر الفم في انتظار في انتظار) أي انتظار ذلك الي يتوحد بفراغ النفس مع فراغ القبر …ومن العذال ينتقل الحوار في النص والسردية الشعرية إلى التحسر على ما تحوي القبور …..وأهات تتوزع لتخلق بنية درامية أخرى …

(واها لهاتيك النواهد والمآقي والشفاه….. واها لأجساد الحسان أيأكل الليل الرهيب…. والدود منها ما تمناه الهوى واخيبتاه…. كم جثة بيضاء لم تفتضها شفتا حبيب) وقد أكلت الآهات ما تمناه الهوى يوما ما …فالمستقل السريع وتسارع العصر بدءا يأكل التمنيات والهوى التي لا تكفي لمجاراة العصر السريع ….وينتقل السياب بالتبئير ..فيتحول من العام إلى الخاص على لسان ذات الشاعر…

حفار القبور || القصيدة

(هل كان عدلا أن أحن إلى السراب و لا أنال… إلا الحنين و ألف أنثى تحت أقدامي تنام) تلك النومة التي تسرق الفتيات في لحد القبور إلى غير رجعة لهذا العالم …فلا التمني يكفي لإعادة كل العذراوات التي ساقتهن المنية للحودهن …هسترية الذات داخل النص تصل اجلها عندما يطلب المرء موت الآخرين وقصف الحروب …(ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب…. أين السنابك و القذائف و الضحايا في الدروب…. لأظل أدفنها فلا تسع الصحاري) تلك الصحاري التي اجتيحت جراء الحروب …

(نبئت أن القاصفات هناك ما تركت مكانا…) (فأدس في قمم التلال عظامهن وفي الكهوف …أو وقع إقدام العذارى) أذن ثمة إفصاح وكاشفيه للمخاطب الأخر في النص (عظامهن ….العذارى) لتصل الخيبة مساسا باناه المتوترة …وهو يقتات على الموتى …(واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين) بعد تجمل النص الدرامي يأتي ألقاء الحقيقة على الذات وكشف وتعرية الأخر …..(أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع) لماذا يا سياب؟ (أني كوحش في الفلاء ….. لم أقرأ الكتب الضخام و شافعي ظمأ و جوع) (أو ما ترى المتحضرين) ؟ ثمة استباقية لتساؤل العالم … مفردة الظلمة حاضرة مرارا في هذا النص لتوحده مع مراعاة القبور وأداء وظيفته التي يرتزق منها أو ينتظر ذلك الرزق المر والمرير …! في مقابل إطالة التحديق للطريق البعيد الذي أرهق المقل معاينته …وهو لا يحوي غير النعيب والظلمة …والنعوش القادمة …أذن هل ثمة حالة واحدة يحكي عنها النص

(المتفرد بمأساة وحدانيته ….الاغتراب داخل الوطن ….ضيقة المكان مع الابتئاس المقارب…ومسكنا من رمل يفصح عن بنية مجتمعية مهشمة ومهمشة تقود المرء تحت جنح الظلام  ولا يأتي النور إلى عبر نافذات وئيدة  من خلف زجاج) الليل والصمت الرهيب ..والقبور الموحشات …تجعل الفرد مريب يجهش بالعويل …أو طلل شبح ينتظر فتح نافذة بيضاء على مصراعيها ..فالنور في النص وئيد …متثاقل جراء الجو السائد الذي يمنع تنوراته حتى وان كان النور متواجد بقوة فان الذات تنظر للعالم  بعين الظلمة ….

(وتظل أنوار المدينة و هي تلمع من بعيد… و يظل حفار القبور.. ينأى عن القبر الجديد) وهي إيحائية يحاول أن يختم بها نصه المطول …لتفرغ ما في جعبة الأنا من إرهاص يحس بدنوا حجز ذلك القبر الجديد …لصاحب الرعاية ….فان الإيحاء والتخيل يخلق تلك الصنعة اللفظية …وهنا ممكن ان أتساءل هل استطاع ابن رشد تقرير شعرا لجميع الأمم بالاعتماد على كتاب ارسوا طاليس الشعر…وهل ثمة صور خارجية مشابهه لتلك الصورة الواقعية والشعرية في نص السياب

(حفار القبور) فالمحاكاة في الشعر تلك التي تخيل الشيء في الشيء …تماما كالتشكيل الذي زرعه السياب في عيوننا …والمتأثر الأخر (الذوق ، الجمهور) فان القيمة ترتفع بالنص بقدرة المتخيل في الوصف الذي زخة السياب في النص … فالإلهام لا يكفي لصوغ النص بل أن الشاعر يعرف كيف يصوغ ذلك الإلهام كما أشار الفارابي لذلك ولا يخفى أن شاعرا مقتدرا مثل السياب قادر على تلك الصياغة البنائية ….التي تثير الجدل داخل النص والذي ينحى منحى إقناعي للاغيار ورفضا وانتقادا …ليترك المتلقي يثير التساؤلات لشتى الصراع القائم  …

فالصورة والمادة مع المضمون تمثل شاخصة لخلق إبداع خلاق في نصوص السياب …فالتشبيه والحوار يخلق فاعلية تعبيرية في نصوصه خصوصا الذي هو مقام قراءتنا …ففاعلية الصور مهندسة بالصياغة وكل هاته المجموعات تخلق القيمة الإبداعية والجمالية في نص (حفار القبور) فتراه يتحول النص داخل النص ليخلق تركيبا فنيا ذو رموز تتداخل ليعلن عن مكاشفة الدال والمدلول راميا إلى البعد الإنساني الذي يكشف عن نقدية من نوع خاص انطلاقا من بؤرة الوظيفة النصية.

(حفار القبور) وهي بؤرة تفرد في النص للاشتغالات الملامسة للواقع العربي والعراقي بصورة خاصة .فهل تقمص السياب تلك المهنة شعريا …او واقعيا …وان كان احدهما …فهل استطاع نصه التأثير في الأخر (المتلقي) وفق معطيات التجربة المعاشة…أو المتخيل في النص وصياغة بنيته في مطولاته الشعرية؟