خطبة جمعة عن الفرح بفضل الله مكتوبة


خطبة جمعة عن الفرح بفضل الله مكتوبة

خطبة جمعة عن الفرح بفضل الله مكتوبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ؛ من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلِّغُ الناس شرعه ، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شراً إلا حذَّرها منه ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه . وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون عباد الله : يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس:57-58] .

أيها المؤمنون : الفرح ؛ لذةٌ تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى ، فيتولد عن ذلك الإدراك حالةٌ تسمى الفرح ، وشتان – عباد الله – بين فرحٍ وفرح ، شتان بين من فرحه بدنياً فانية ولذةٍ زائلة أو بأهواءٍ باطلة وبدعٍ مردية ، وبين من فرحه كما أمر الله جل وعلا في الآية المتقدِّمة بفضل الله وبرحمته .

عباد الله : لنقف في هداية هاتين الآيتين محاسبين لأنفسنا في نوع فرحنا وحقيقته ؛ أنحن – عباد الله – من هؤلاء الذين فرحهم حقاً وصدقا برحمة الله عز وجل وفضله ؟ أم أنه فرحٌ بلذة فانية وحطامٍ زائل أو بأهواءٍ وضلالاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان ؟ .

أيهَا المؤمنونَ:

لَمَّا قدمَ خَراجُ العراقِ إلى عمرَ بنِ الخطابِ، خرجَ عمرُ ومولىً لَه، فَجَعَلَ عُمَرُ يَعُدُّ الْإِبِلَ، فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَجَعَلَ مَوْلَاهُ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا وَاللهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: «كَذَبْتَ، لَيْسَ هُوَ هَذَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58] يَقُولُ: بِالْهُدَى وَالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، وَهَذَا مِمَّا يَجْمَعُونَ» رواه الطبرانيُّ وأبو نُعَيمٍ.

أيها المؤمنونَ:

إنَّ الفرحَ باللهِ تعالى وبطاعتِهِ مقامٌ عظيمٌ لا يَخلُصُ إليه إلاَّ الموفَّقونَ مِن عبادِ اللهِ تعالى، ممَّن أرادَ اللهُ جَلَّ وعلا سَعادَتَهُم في الدنيا والآخرةِ.

إنَّ الفرحَ الحقيقيَّ – يا عبادَ اللهِ – هو أنْ يفرَحَ المرءُ أنَّ اللهَ هداه إلى الإسلامِ، وأنَّ اللهَ أعانَه على صلاةِ الجماعةِ، وأنَّ اللهَ يسَّرَ له بِرَّ والديهِ وصلةَ أرحامِهِ، وأعانَه على فعلِ الخيرِ.

 يفرح الناس في هذه الدنيا لأسباب كثيرة، فمنهم من يفرح إذا ترقى في وظيفته وعمله، ومنهم من يفرح إذا جاءته زيادة في راتبه أو ربح في تجارته، ومنهم من يفرح إذا رزق بمولود… ، وكل هذه أسباب مشروعة للفرح إذا لم تؤد إلى كبر أو بطر، لكن أعظم أسباب الفرح عند الصالحين حين يوفقون في أمر من أمور الآخرة ويزدادون قربا من الله تعالى بزيادة في علم أو عمل صالح.

قال الله تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”سورة يونس57-58.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعليقاً على هذه الآية: “فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين

لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا مما هو مضمحلٌ زائلٌ عن قريب ، وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته ؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها وشكرها لله تعالى ، وقوتها ، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما ، وهذا فرحٌ محمود؛ بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل فإن هذا مذموم كما قال تعالى عن قوم قارون عندما قالوا له:(لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين)”

اقرأ ايضا: