خطب جمعة مكتوبة للشيخ سليمان الرحيلي


خطب جمعة مكتوبة للشيخ سليمان الرحيلي

خطب جمعة مكتوبة للشيخ سليمان الرحيلي

خطبة بعنوان: ظاهرة الإسراف والتبذير ( الأسباب والعلاج)

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أسباب الإسراف .                                                     العنصر الثاني: صور الإسراف.

العنصر الثالث: آثار الإسراف وأضراره.                                              العنصر الرابع: علاج الإسراف.

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أسباب الإسراف

أحاط الإسلام المعاملات المالية بسياج من الضوابط والقواعد الشرعية التي تباعد بينها وبين كل ما فيه شبهة أو شائبة، وإذا كان الإسلام وضع لمال الغير حرمة تمنع من التعدي عليه خفية أو جهاراً ، فإن لمال الإنسان حرمة أيضاً لصاحبه تمنعه أن يضيعه، أو يسرف فيه، أو يبدده، أو يبعثره ذات اليمين وذات الشمال.

ولقد وردت مادة ” س ر ف ” بجميع مشتقاتها في القرآن الكريم ثلاثاً وعشرين مرة، ومن يمعن النظر فيها، يجد أن لفظ الإسراف جاء في القرآن بمعنيين: أحدهما: الإفراط في الإنفاق وضياع المال وتبذيره. ومنه قوله تعالى: { وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} ( الأنعام 141)، وقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}( الأعراف:31)

الثاني: بمعنى الظلم والتعدي وتجاوز الحدود الشرعية. ومنه قوله تعالى:] ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ[ ( المائدة: 32) وقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53)

الفرق بين التبذير والإسراف

خطبة الجمعة القادمة

يرى بعض العلماء أن التبذير والإسراف مترادفان ، إذ كلاهما تضييع للمال، غير أن أكثر العلماء يفرق بينهما. يقول الإمام الماوردي: (اعلم أن السرف والتبذير قد يفترق معناهما ، فالسرف هو الجهل بمقادير الحقوق، والتذبير هو الجهل بمواقع الحقوق، وكلاهما مذموم، وذم التبذير أعظم، لأن المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذر يخطئ في الجهل.)

وبالنظر في هذا النص يتضح أن الإسراف جهل بالمقدار، فهو إنفاق في الحلال فوق حد الاعتدال ، أما التبذير فهو جهل بالموقع، فهو إنفاق في الحرام سواء قل أو كثر.

ويوضح الإمام الراغب الأصفهاني ذلك من حيث الكمية والكيفية فيقول: ( التبذير من جهة الكمية أن يعطي أكثر مما يحتمله حاله ، ومن جهة الكيفية فبأن يضعه في غير موضعه ، والاعتبار فيه بالكيفية أكثر منه بالكمية ، فرب منفق درهما من ألوف وهو في إنفاقه مسرف ويبذله مفسد ظالم ، كمن أعطى فاجرة درهما أو اشترى خمراً، ورب منفق ألوفاً لا يملك غيرها هو فيها مقتصد ويبذلها مجتهد، كما روى في شأن الصديق أبي بكر t . وقد قيل لحكيم: متى يكون بذل القليل إسرافاً والكثير اقتصاداً ؟ قال : إذا كان بذل القليل في باطل وبذل الكثير في حق.)

من خلال ما سبق يتلخص أن:  الإسراف يكون في الحلال المباح إذا تجاوز به صاحبه حد التوسط لأمثاله. أما التبذير فهو إنفاق في الحرام قل أو كثر، وبذلك يأخذ إنفاق المرء على نفسه عدة أشكال:

أ- دون حد الاعتدال وفي الحلال فهو بخل وتقتير.

ب- تجاوز حد الاعتدال وفي الحلال فهو إسراف .

حـ- في الحرام قل أو كثر هو تبذير.

ء- في الوسط المعتدل ، وفي الحلال المباح ، فهو القوام المطلوب.

وإذا كان الإسلام قد حرم  الإسراف مع أنه تجاوز الحد في المباح ، فمن باب أولى يعد التبذير أشد حرمة عند الله ، لارتكاب صاحبه حرمتين  الأولى:  وهي تجاوز الحد فيما لا نفع فيه.

 والثانية : وهي ارتكاب المحرم ، ومثال ذلك من يشرب الخمر ، فإنه أهدر ماله فيما لا نفع فيه وسيسأل عنه يوم القيامة ، وفوق ذلك أنه ارتكب محرماً بشربه وتناوله ما حرم الله – عز وجل – فضلاً عن الأضرار الجسمية البدنية والنفسية والاقتصادية والخلقية التي تعود على مرتكب تلك الجريمتين.

أسباب الإسراف:-

للإسراف أسباب عديدة يمكن إجمالها فيما يلي:

1-النشأة الأولى للفرد : فقد ينشأ المسلم في أسرة تعيش في بذخ وسرف فيعتاد ذلك ، وهذا يشي إلى أي مدى يكون الأب والأم مسئولين مسئولية مباشرة عن توجية الأسرة ، وتنشئتها على  تعاليم الإسلام السليمة ، وقيمه الرشيدة ، وأخلاقه النبيلة.

2-صحبة المسرفين ، لأنه كثيراً ما يتأثر الإنسان بنهج إخوانه وزملائه وأصدقائه ، ويتشبع بسلوكهم في الحياة عن وعي أو بدون وعي.

3-التهاون مع النفس ، وعدم ترويضها على شدائد الحياة بالعبادات والشعائر الإسلامية كالصيام ، والصلاة في جوف الليل ، وكثره الصدقات. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس: 9 ، 10)

4-السعة بعد الضيق ، فقد  يكون المرء في ضيق من عيشه ، فيصبر ويحتسب إلى الله- عز وجل – قدماً. ثم يختبره الله بالسعة بعد أن اختبره بالضيق ، فيلجأ إلى التوسعة على نفسه وأهله ، وهذا مطلوب ولا بأس به ، ولكنه لا يلبث يتوسع

ويزداد في توسعة حتى يجاوز حد الاعتدال اللائق بأمثاله فيقع في محظور الإسراف.

5-عدم معرفة المرء بآثار الإسراف المدمر ، فإن من الملاحظ أن كثيرا من المسرفين لا يقدرون مدى المخاطر التي تحيق بهم جراء الإسراف ، وأقلها ضياع المال ، ولا يهمه أنه أضاع أمواله ، وارتكب ما حرم الله ، إنما يهمه أن ينظر للناس أنه يملك أموالاً كثيرة وأنه جواد لا يبخل بها عن نفسه أو غيره ، وهو بهذا لم يعرف الفرق بين الجود والسرف.

6-كثرة الأموال: حيث أدت كثرة الأموال وتجميعها وتكديسها إلى انشغال الناس بالمال، وجعله شغلهم الشاغل وهمهم الوحيد قال الله تعالى: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } كما عاب القرآن الكريم على من كل همهم جمع وتكديس الأموال واعتبارها أنها الحياة فقال : {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ، الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ }.

العنصر الثاني: صور الإسراف:

لا شكَّ أنَّ الإسراف تتعدَّد صوره ومظاهره، ومن هذه الصور:

1- الإسراف في المال والتبذير فيه:

من أخطر صور الإسراف المنهي عنها ( إسراف المال )، لذلك يسأل العبد عن جميع أعماله مرة واحدة وعن ماله مرتين، فعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ – رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ” لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ : عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ ، وفيمَ أنفقَهُ ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ ؟”( الترمذي)، وقال تعالى في ذلك: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر: 8]، قال ابن القيم – رحمه الله -: “والنعيم المسئول عنه نوعان: نوع أخذ من حله، وصرف في حقه، فيسأله عن شكره، ونوع أخذ بغير حله، وصرف في غير حقه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه”؛ اهـ.

لذلك ينبغي على العبد أن يتوسط في الإنفاق فقد قال – تعالى – مادحًا عبادَه المقتصِدين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]. قال ابن كثير – رحمه الله -: “{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}؛ أي: ليسوا بمبذِّرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصِّرون في حقِّهم، فلا يكفونهم؛ بل عدلاً خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا”.اهـ.

2-  الإسراف على الأنفس بالمعاصي والآثام:

قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]. قال القاسمي: “أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر… لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف ” (محاسن التأويل)

فانظر إلى الإسراف في الساعات التي تقضيها أمام التلفاز, تنظر فيها إلى الكاسيات العاريات…… والملك ينظرك ، وكم من الساعات التي يقضيها شبابنا في التسكع في الأسواق……. والملك ينظرهم، وكم من الساعات التي تضيعها البنات أما المرآة بحثا عن الجمال الزائف….والملك ينظرهن. أما نستحي يا إخوة؟؟؟؟  ألم يعد في القلب خوف من رب العباد؟؟؟ ألم يهزنا قول الله: { إن جهنم كانت مرصاداً } ؟؟؟؟ ألم يردعنا قول الله : { والله بما تعملون بصير } 

3- الإسراف في الأكل والشبع المفرط:

يقول الله عز وجل :  {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف: 31)

قال القرطبي: (من الإسراف الأكل بعد الشبع، وكلُّ ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله) .

 وعن المِقدام بن معدِي كَرِب – رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شرًّا مِن بطنه، بحسْبِ ابن آدم أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لِشَرَابه، وثُلُثٌ لِنَفَسِه” (الترمذي وصححه الألباني) .وعن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه قال: “كُلْ ما شئتَ، والْبَسْ ما شئتَ، ما أخطأَتْكَ اثنتانِ: سَرفٌ أو مَخِيلَةٌ”( البخاري)، وعَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ.” ( مسلم ) ، وعَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَكَلَ كَثِيرًا ، فَقَالَ : يَا نَافِعُ ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ” ( البخاري ومسلم ) ، يقول النووي في شرح هذا الحديث:” قال العلماء : ومقصود الحديث التقليل من الدنيا ، والحث على الزهد فيها والقناعة ، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل ، وكثرة الأكل بضده ، وأما قول ابن عمر فى المسكين الذى أكل عنده كثيرا : ” لا يدخلن هذا علي ” ، فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار ، ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة ؛ ولأن القدر الذى يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة ” انتهى .

ثم إن الإنسان إذا أكثر من الطعام، لم يستطع له هضمًا؛ حيث يصاب بالتخمة وعُسر الهضم، وقد يحدث أن تصاب المعدة فيفقد المرء شهيته للأكل، وقد يصاب نتيجة لذلك بالإسهال أو الإمساك، كما أن الإسراف في الطعام يؤدي إلى البدانة، ومن ثم يتعرض الإنسان لأمراض القلب وارتفاع الضغط وأمراض الكُلَى والسكر.

لذلك قال بعض السّلف: جمع الله الطّبّ كلّه في نصف آية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}

وقد قالت العرب قديما : المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، واعلم أن جسد الإنسان يستفيد بجرامات معدودة فقط مما يأكل ومما يشرب ويتخلص من الباقي، وقد ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف ، ومنها :

1- صفاءُ القلبِ وإنفاذ البصيرة ، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب ، ولهذا جاءَ في الحكمة : مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه.

2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى .

3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه ، ولا ينسى أهلَ البلاء ، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع ، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة .

4- من أكبر الفوائد : كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها ، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء ، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى ، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة . قال ذو النون : ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية .

5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر ، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا ، ومن كثر شربُه كثرَ نومه ، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القلب ، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ ، وهو رأسُ مالِ العبدِ ، فيه يتجر ، والنومُ موت ، فتكثيره يُنقِصُ العمر .

6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض ، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة.( ملخصة من إحياء علوم الدين )

4- الإسراف في استخدام المرافق العامة:

والإسراف في المرافق العامة مذموم أيضًا، ويعتبر من إضاعة المال قال صلى الله عليه وسلم ” إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال”  (البخاري ومسلم)، قال المناوي: (إضاعة المال: هو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنَّه إفساد والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله؛ تعرَّض لما في أيدي الناس)(فيض القدير).

ومن المرافق العامة الماء: فقد نهى – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الإسراف في الوضوء؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: “جاء أعرابِيٌّ إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظلم”( قال الألباني: حسن صحيح) وإذا كان هذا في شأن عبادة، فما ظنك بما دون العبادة.

وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: “ما هذا السرف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ”  ( ابن ماجه وحسنه الألباني في الصحيحة)

كما نهى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المؤمنَ أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات؛ فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: “جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا”، ثم قال: (هكذا الوضوء؛ فمَن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظَلَم”( النسائي)

قال البخاري: (بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وتوضَّأ أيضًا مرتين وثلاثًا، ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم) (صحيح البخاري)، فالماء نعمةٌ عُظمى، وهبةٌ ومنحةٌ كبرى، ورسولنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – ضرب للأمة أروعَ الأمثلة في المحافظة على هذه النعمة، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصَّاع، إلى خمسة أمداد”؛ ( رواه مسلم) ، وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يجزئ من الوضوء مدٌّ، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرًا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم” (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه)

ومنها : الإسراف في الكهرباء:وسبب أزمة الكهرباء هو التغير في أنماط الحياة

الأجهزة والأدوات التي تعتمد على الكهرباء أضعاف ما كانت عليه من قبل، فأجهزة مثل التلفاز وجهاز التقاط القنوات الفضائية والفيديو وأدوات الطبخ وأجهزة الكمبيوتر واللاب توب وأجهزة المحمول الجديد الذكية والأجهزة اللوحية والإنترنت، إضافة إلى ألعاب الأطفال الإلكترونية وغير الإلكترونية، وأجهزة التنظيف والغسيل وغيرها، وكثيرا ما تُضاء مصابيح وتُترك أجهزة تعمل بدون داع ، وترك مصابيح وأجهزة المصالح تعمل ليلا ونهاراً ، والمبالغة في وسائل الزينة والإنارة الكهربية ، كل ذلك له أضرار جسيمة على معدل الإنفاق ومعدل الاستهلاك ، بل ويؤثر على النظر.

5- الإسراف في القتل:

وهذا مستشرِ وكثير ولا سيما في وقتنا الحاضر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33].

قال صاحب أضواء البيان: “والنهي عن الإسراف في القتل هنا شامل ثلاث صور : –

الأولى : أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد ، كما كانت العرب تفعله في الجاهلية، ومعلوم أن قتل جماعة بواحد لم يشتركوا في قتله إسراف في القتل داخل في النهي المذكور في الآية الكريمة .

الثانية: أن يقتل بالقتيل واحداً فقط ولكنه غير القاتل ; لأن قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل ، منهي عنه في الآية أيضاً .

الثالثة : أن يقتل نفس القاتل ويمثل به، فإن زيادة المثلة إسراف في القتل أيضاً.”أ.ه

فكم نرى كل يوم دماءً تسيل، ونساءً تُرمَّل، وأطفالاً تُيتَّم، وجثثاً تُمثَّل، وكل ذلك إسراف في القتل؟!!!

6- الإسراف والتباهي في الولائم والحفلات:

إن الإسراف في المناسبات مثل الزواجات أو المناسبات كتخرج جامعي أو ترقية موظف أصبح سمة من سمات الكثير منا- إلاّ من رحم الله- ، وحتى في المآتم في حالات الوفاة مع الأسف يتسابقون في إقامة الولائم المشكّلة ذات الأصناف، وفي بعض الحالات يكون ذلك من تركة المتوفى على حساب الورثة، وذلك بتقديم الأطعمة من اللحوم وأنواع المأكولات والحلويات وغيرها بكميات كبيرة تزيد عن أعداد الضيوف، فتبقى تلك المأكولات لا يؤكل منها إلا القليل ويكون مصير الباقي إلى الإتلاف دون الاستفادة منها، أو توزيعها على الفقراء والمساكين، وإنما يحصل بفعل ذلك التفاخر والتباهي وحب الشهرة بإقامة مثل هذه الولائم الكبيرة أمام الناس.

فالواجب علينا ترك هذه المظاهر السيئة والتزام منهج الإسلام في الاعتدال وعدم الإسراف في إقامة الولائم والمناسبات، والتعاون فيما بيننا بالتناصح والتوجيه والإرشاد، والأخذ على أيدي المسرفين ومعاقبتهم.

ألا فتعرَّفوا – عباد الله- على أحوال مَن بقي في كثيرٍ من البلدان، وما أصاب البعض منهم من حُروب ودَمار، وتشريد أطفال، ونساء، وشيبان، يقاسون شدَّة البرد، وحرَّ الشمس، وألم الجوع والعطش، وقلة الكساء، والفراش، والغطاء، وفقد الآباء والأولياء.

فعلى المسلم إذن أن يتجنب الإسراف في شتى صوره ،  في المأكل والمشرب والمسكن ، والصدقة ، والترفيه ، وسائر الأغراض المشروعة ، لأن الإسراف تبديد للموارد ،  وإضاعة للثروات ، من أجل هذا فإن أهم ما فسرت به إضافة المال التي نهى عنها النبي هو الإسراف.

العنصر الثالث: آثار الإسراف وأضراره.

إن آثار الإسراف و أضراره غاية في الخطورة ، فإنه فضلاً عن الآثار البدنية التي تؤدي إلى علة البدن، وضعف الصحة، وإتلاف المال، وقسوة القلب، وخمول الفكر، فإن له الآثار المدمرة التالية:

1-تحريك دواعي الشر والإثم ، ولذلك تكثر في حياة المجتمعات التي تميل إلى الإسراف ألوان خطيرة من الجرائم ناجمة عن تولد رذائل ممقوتة مثل: الزنا ، واللواط ، والقمار ، وشرب الخمور ……. الخ.

2-الانهيار في ساعات المحن، نتيجة لعدم أخذ المسرف بالشدة والحزم ، فإن صادفته شدة انهار، ولذلك تعود جيوش العالم قديماً وحديثاً أبناءها على حياة التقشف والشدة وتحمل المشاق والصعاب.

3-الحرمان من حب الله تعالى، إذ المسرف مبغوض عند الله وعند الناس. قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}   

4-يثير الإسراف أحقاد الفقراء والمحتاجين ، ويهيء المناخ الخصب لوجود الأفكار – الملحدة – ولعل هذا السبب في أن المأكل والمشرب محرمان في آنية الذهب والفضة ، كما حرم الحرير على الرجال، وذم الكبر والخيلاء، ودعا إلى لين الجانب والتواضع والمواساة، وفرض الزكاة، وحض على الصدقات، أو بالاعتدال والقصد، ونهى عن إسراف المال وتبديده.

5-الإسراف مهلك لقوة المال الحقيقية، بانسيابه من يد المسرف بدون وعي وتقدير إلى غير مصارفه المستحقة وأماكن إنتاجه وتزايده ، ومهلك للمسرف بجلب الحسرة والندم لنفسه، بعد أن تلحقه عواقب الإسراف من الفقر والذل والتعرض لنكباتها.

6-الإسراف نوع من التهور وعدم التبصر بعواقب الأمور، وقد يكون دليلاً علي الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية، وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب وسيئ النتائج، فهو يقتل

حيوية الأمة، ويؤدي بها إلى البوار والفساد، ويملأ القلوب حقداً وضغينة، ويقضى على حياة الأمن والاستقرار ، كما أن قيه كسراً لنفوس الفقراء، وبطراً لأهل الغنى.

7-الإسراف داع إلى أنواع كثيرة من الشر، لأنه يحرك بهذين شراً، فكم من معصية جلبها الشبع وكم من طاعة حال دونها، فمن وقي شر بطنه وقى شراً عظيماً. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام ، ولهذا قال النبي  { ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ،} 

8-فساد أخلاق المسرف فلا يلين قلبه لفقير ، ولا يعطف على مسكين ، وتنعدم الرحمة والبر والتعاون بينه وبين الآخرين.

العنصر الرابع: علاج الإسراف:-

أما علاج الإسراف فقد يمكن ذلك بعدة أمور منها:

1-التفكير والتأمل في النتائج الوخيمة على البدن والنفس والقلب والمال، وعلى الأفراد والمجتمعات جراء الإسراف.

2-مجاهدة النفس لترويضها على الاعتدال وعدم الإسراف ، وأخذها بالشدة عن طريق امتثال أوامر الشرع وعدم التهاون فيها مثل الإكثار من الفرائض والنوافل.

3-دراسة سيرة النبي  ودوام النظر فيها للإقتداء بهديه في حياته العامة والخاصة.

4-البعد عن المسرفين وتجنب مخالطتهم والعمل على صداقة ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة . 

5-اهتمام الفرد ببناء شخصية أفرد أسرته ، زوجته وأولاده،وتعويدهم الحياة الإسلامية الصحيحة قواماً واعتدالاً.

6-العمل على نشر القيم والفضائل الخلقية التي تقوم سلوك المستهلك وتميزه عن غيره من الأفراد كشخصية مسلمة تردعها قيم وأخلاق وضوابط شرعية عن فعل كل ما يخالف تعاليم الإسلام.  

وبذلك يعيش الأفراد في أمن وسلام ، ورخاء واطمئنان ، ورغد من العيش لا إفراط ولا تفريط ، وتكون حياتهم متوازنة ، وعيشتهم وسطاً، فالإسلام دين الوسطية والتوازن ، ودين القيم والفضائل ، والآداب السامية.