دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية


دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

نقدم لكم دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية, موضوع دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية, بحث عن دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية, دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية 2020 – على كلام نيوز www.klamnews.com

دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية.

دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

تعريف التنمية الاقتصادية.

التنمية الاقتصادية هو الإجراءات المستدامة والمنسقة التي يتخذها صناع السياسة والجماعات المشتركة، والتي تساهم في تعزيز مستوى المعيشة والصحة الاقتصادية لمنطقة معينة. كذلك، يمكن أن تشير التنمية الاقتصادية إلى التغيرات الكمية والنوعية التي يشهدها الاقتصاد.

تسبب التغير في العوامل المناخية في حدوث تغيرات خطيرة وربما تكون دائمة في حالة كوكبنا الجيولوجية والبيولوجية والنظم البيئية ومن ضمنها توابع التغير المناخي والفقر ليست موزعة بالتساوي بين المجتمعات وان تأثيرات التغير المناخي مثل الجوع والفقر والأمراض مثل الإسهال والملاريا تؤثر بصورة غير متساوية على الأطفال. 

مفهوم التنمية الاقتصادية
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

لقد شكّل الإنسان محور التعريفات المقدمة بشأن التنمية المستدامة، حيث تتضمن تنمية بشرية قائمة على تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي. وقد أشار تقرير اللجنة العالمية للتنمية والبيئة “برونتلاند” إلى أن “التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية إحتياجاتها”. كما أن عبارة تنمية مستدامة تعني نمطًا من التنمية لا تفرّط في استثمار مصادر الثروات الطبيعية، التي ترتكز عليها هذه التنمية، أو تخرّبها، أي تنمية تعمل على تجديد الموارد والثروات وإعادة التصنيع بشكل يضمن بيئة نظيفة وصالحة لحياة الأجيال الحاضرة والقادمة.

ووفق تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية “ينبغي أن يكون الرجال والنساء والأطفال محور الإهتمام، فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية وذلك للأجيال الحاضرة والقادمة”. وتقترح التنمية المستدامة لمواجهة التهديدات التي تواجه المحيط البيئي، عالمًا تزول فيه من مجتمعاتنا ظواهر الفقر، واللامساواة، والأنانيات، ونهب الطبيعة، وانحرافات التقدّم العلمي، كي تتمكن الأجيال الحاضرة والقادمة من الإستفادة من موارد الطبيعة. وهذا يعني إلقاء المسؤولية على أنماط النمو السائد. تعد التنمية المستدامة، الضابط الرئيس للسياسات الاقتصادية التي وصلت إليها العولمة النيوليبراليّة، في تعاملها مع البيئة والثروات الطبيعيّة على نحو بدأ يهدد شعور الإنسان بالأمان والاستقرار، بعدما كان يعتقد أن الأرض هي مصدر للثروات لا ينضب، وطاقة للتجديد الطبيعي غير المحدود. وقد أكدت تقارير الخبراء في اللجنة الدوليّة لتغير المناخ، بما لا يسمح بالشكّ، أن أنشطة الإنسان هي المسؤولة عما وصلت إليه الأخطار على مستقبل البشرية برمّتها.

دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

هذا من جهة ومن أخرى، تمثل التنمية المستدامة، فرصة جديدة لنوعيّة النمو الاقتصادي وكيفيّة توزيع منافعه على طبقات المجتمع كافة، وليس مجرّد عمليّة توسع اقتصادي، لا تمنع من ازدياد الفوارق بين مداخيل الأفراد والجماعات، إن بين دول الشمال والجنوب أو داخل الدول النامية نفسها. التنمية المستدامة تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية. إنها تسمح بتقييم المخاطر ونشر الوعي وتوجيه العمل السياسي على المستويات المحلّية والإقليميّة والدولية”[1]. ونظرًا إلى الترابط القوي بين الأمن الإنساني والتنمية، ومن أجل جعل الحق بالتنمية البشرية حقيقة واقعة لكل البشر بصورة مستدامة آنيًا ومستقبليًا، تمنى رجل الاقتصاد الهندي أمارتيا صن على المؤسسات الدوليّة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي اعتماد مؤشر جديد للتنمية، يأخذ في طياته حقوق الإنسان الاجتماعية والصحيّة والبيئيّة إضافةً إلى البعد الاقتصادي. وذلك من خلال القضاء على الفقر، تعزيز الديمقراطيّة، مكافحة المجاعات والأزمات والصراعات، التأكيد على فعالية المرأة، التغيير الاجتماعي، تشجيع الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان. وأيضًا من خلال تحسين سبل الحصول على الخدمات الاجتماعية والأغذية والرعاية الصحيّة الإنسانية والتعليم، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتسيير الحكم الرشيد، وتوسيع قدرة الحصول على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والعقاقير لمكافـحة مرض الإيدز[2].

كما يتضمن اعتماد التنمية المستدامة، عنصرًا جوهريًا في مخططات الدول والشركات، وخصوصًا في ما يتعلق بالقوانين الداخلية التي تنظم مشاريع الإستثمارات، بغية حماية البيئة ومنع التصحر، واتخاذ إجراءات لتأمين سبل الحصول على مياه الشرب المأمونة، وتحسين الصرف الصحي للمجتمعات القادمة. ومن أجل معالجة الفقر في العالم سوف يتطلب ذلك منح أكثر البلدان فقرًا، إعفاءً دائمًا من الديون وتحقيق تجارة عادلة من خلال وصول البلدان النامية إلى الأسواق[3].

دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

أيضًا في هذا المضمار، صدر عن مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي انعقد في جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا بين 26 آب/ أغسطس ـ 4 ايلول/ سبتمبر 2002، وضّم، إضافة إلى رؤساء الدول والحكومات، عددًا كبيرًا من المنظّمات الإقليمية والوكالات الدوليّة المتخصصة والمنظّمات غير الحكومية “إعلان جوهانسبرغ بشأن التنمية المستدامة”. شدّد هذا الإعلان على إقامة مجتمع عالمي إنساني متضامن لمواجهة مجمل التحدّيات العالمية، مثل القضاء على الفقر، تغيير أنماط الانتاج والاستهلاك غير المستدامة، وحماية قاعدة الموارد الطبيعية وإدارتها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ردم الهوة العميقة التي تقسم البشرية إلى أغنياء وفقراء، ومنع تدهور البيئة العالمية، وتراجع التنوع البيولوجي والتصحر، سد الفجوة المتزايدة بين العالمين المتقدم والنامي، ومعالجة تلوث المياه والهواء والبحار، هذا فضلاً عن التحدّيات الجديدة التي فرضتها العولمة على التنمية المستدامة ولا سيما تكامل الأسواق السريعة، وحركة رؤوس الأموال والزيادات المهمة في تدفقات الاستثمار حول العالم، وذلك من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة[4].

يستنتج من ذلك أنه “من بين أبعاد التنمية المستدامة الاجتماعي والبيئي والاقتصادي: يبرز البعد الاجتماعي خاصة كبعد جديد لقياس مستوى  التنمية، من خلال التركيز على زيادة كميّة الإنتاج، عبر ضمان زيادة الطاقات من جيل إلى آخر، والأهم تحقيق حاجات الإنسان الأوليّة. أما البعد البيئي فيتمّثل في أن استمرار سلوك الإنسان سيؤدّي إلى تغييرات تنعكس على الجنس البشري وتهدّد استمراريته.

وعليه، فإنه لا يمكن الاستمرار في اعتبار البيئة كتابع للاقتصاد، كما يفعل معظم علماء الاقتصاد، بل ينبغي اعتبار النظام البيئي النظام الأعلى والاقتصاد النظام التابع له. أما البعد الاقتصادي، فهو الجزء المفصلي في نطاق ما يتضمّن من إعادة تنظيم للحياة اليوميّة وإعادة هيكلة الاقتصاد على كل المستويات وفي كل القطاعات، أي في كل دوائر الإنتاج والتوزيع والإستهلاك. والمحور الأساسي هو رفض آليات السوق في تحديد الأسعار والإنطلاق من الأسعار الحقيقيّة، فعلى الإنتاج إستعمال المواد القابلة لإعادة التكوّن، وعلى التوزيع أن لا يثقل كاهل النظم الإيكولوجيّة، وعلى الاستهلاك أن لا يبقى كعمليّة تدمير للمنتوجات، فلا شيء يزول ولا شيء يضيع، كل شيء يصبح مصدر ثروة”[5]. وتتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف المعيشة لجميع سكان العالم من دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل. وفي حين أن التنمية المستدامة قد تستلزم إجراءات مختلفة في كل منطقة من مناطق العالم، فإن الجهود الرامية إلى بناء نمط حياة مستدام حقًا تتطلب التكامل بين الإجراءات المتخذة في ثلاثة مجالات رئيسة:

النمو المتعثر في العراق: في منظور التنمية البشرية والاقتصادية | البيان
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

أولاً: النمو الاقتصادي والعدالة، إن النظم الاقتصادية العالمية القائمة حاليًا بما بينها من ترابط، تستلزم نهجًا متكاملاً لتهيئة النمو المسؤول الطويل الأمد، مع ضمان عدم تخلف أي دولة أو مجتمع.

ثانياً: حفظ الموارد الطبيعية والبيئية من أجل الأجيال القادمة، من خلال إيجاد حلول قابلة للاستمرار اقتصاديًا للحد من استهلاك الموارد، وإيقاف التلوث، وحفظ المصادر الطبيعية.

ثالثاً: التنمية الاجتماعية، حيث أن جميع شعوب العالم بحاجة إلى العمل والغذاء والتعليم والطاقة والرعاية الصحية والماء. وعند العناية بهذه الاحتياجات، على المجتمع العالمي أن يكفل أيضاً احترام النسيج الثري الذي يمثله التنوع الثقافي والاجتماعي، واحترام حقوق العمال، وتمكين جميع أعضاء المجتمع من أداء دورهم في تقرير مستقبلهم[6]. وعليه، فقد أكد التقرير، الارتباط الوثيق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على البيئة. وأشار إلى عدم إمكان تطبيق استراتيجية للتنمية المستدامة من دون ملاحظة متطلبات التنمية للجوانب الثلاثة “الاقتصادية والاجتماعية والبيئية”.

اـ التنمية الاجتماعية

مع استمرار قوى العولمة الفائقة السرعة في نقل البضائع والمعلومات والنقود عبر الحدود بسرعة متزايدة يومًا بعد يوم، واستمرارها أيضًا في تحقيق فوائد لا تبرح تتعاظم لمن هم داخل دائرتها، هناك إدراك متزايد أن قطار الرخاء هذا يفوت معظم سكان العالم. والواقع أن معظم فوائد العولمة لا تصل إلى أكثر من نصف سكان العالم، أي 3 مليارات شخص يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. ولا يزال هناك ما يربو على مليار شخص يعيشون في حالة من الفقر المدقع، وملايين الأشخاص الذين يعيشون بلا عمل، وعدد متزايد من المجتمعات تتصدّع تحت وطأة ضغوط عنصرية أو عرقية أو اجتماعية. وقد اتسعت الفجوة بين أغنياء العالم وفقرائه، في الوقت الذي هدّدت الأزمات المالية في آسيا والمحيط الهادئ بطمس ما تحقّق طوال سنوات من النمو والتحسن.

وإذا كانت العولمة قوّة إيجابية تحسّن مستويات معيشة الكثيرين وتتيح المزيد من الفرص، يقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أنه “لا تكون العولمة بالنسبة إلى الكثيرين عاملاً يؤدي إلى التقدّم، بل قوة مسببة للاضطراب، تشبه الإعصار في قدراته على حصد الأرواح وتضييع الوظائف وهدم التقاليد. وهناك ما يدفع الكثيرين إلى مقاومة تلك العملية والاحتماء فيما هو محلي. وقد تكون العولمة مؤدية إلى مزيد من عدم المساواة. وقد تكون أيضًا مسبّبة لاضطراب التقاليد الثقافية وزيادة ما لدينا من إحساس بعدم الاهتداء الروحي”. وتعتبر معظم البلدان النامية السرعة المتزايدة باستمرار والتي تحدث بها العولمة، بما تتركه من آثار بالغة في قرارات كل البلدان تقريبًا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أكبر عقبة تمنعها من تحقيق التقدّم الاجتماعي. وقد أثار منتقدو العولمة اعتراضات مؤداها أن النظام التجاري العالمي الجديد يلحق أضرارًا بالغة بالبيئة وحقوق العمال والمصالح المحلية، وفوق كل ذلك لا يلبي احتياجات السكان[7].

وفي ظل أجواء يسودها الإحساس المتزايد بعدم الأمان في عصر الاقتصاد العالمي الجديد، عقدت الأمم المتحدة مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن، الدانمرك، العام 1995، والموضوع الأساس هو “وضع التنمية الاجتماعية في قلب الاهتمامات السياسية العالمية”، لتوجيه الانتباه العالمي نحو إيجاد حلول لمشاكل العالم الاجتماعية الرئيسة. وقد انتهى مؤتمر القمة، الذي حضره ممثلو 186 بلداً منهم 117 رئيس دولة أو حكومة، إلى اتفاق مهم تعهدت البلدان بموجبه العمل على تحقيق أهداف محددة في مجال التنمية الاجتماعية. فقد اتفقت البلدان على إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية، الذي تضمّن  التزامات قطعية بالعمل بمزيد من الجد من أجل القضاء على الفقر، وتحسين الصحة والتعليم، والسعي إلى تحقيق العمالة الكاملة. كما اتفقت البلدان على برنامج عمل من  مئة فقرة يحدد الاستراتيجيات والغايات والأهداف المتعلقة بتحسين نوعية الحياة بالنسبة إلى الناس في كل مكان. أما أهمية هذا المؤتمر فتجلّت في تركيزه على الاحتياجات الأشد أهمية وإلحاحًا بالنسبة إلى الأفراد أي سبل المعيشة، والدخل والصحة والتعليم والأمن الشخصي. وعن طريق تحديد الأولويات، رفع مؤتمر القمة المعيار العالمي لتحقيق التقدم الاجتماعي، ونبّه أيضًا المؤسسات المالية الرئيسة في العالم، إلى أن جميع الخطط الاقتصادية يجب أن تعترف بآثارها الاجتماعية[8]. وتتمثل التزامات التنمية الاجتماعية بما يلي:

السياسة النقدية محركا للتنمية الاقتصادية - Awraq Group
دور التنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية

أهم دور للتنمية الاقتصادية في الحد من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية.

  ـ  القضاء على الفقر المطلق بحلول موعد يحدده كل بلد.

  ـ  دعم العمالة الكاملة باعتبارها أحد الأهداف الأساسية للسياسة العامة.

  ـ  تشجيع التكامل الاجتماعي القائم على تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها.

  ـ  تحقيق المساواة والإنصاف بين المرأة والرجل.

  ـ الإسراع بخطى التنمية في إفريقيا البلدان الأقل نموًا.

  ـ  كفالة إدراج أهداف التنمية الاجتماعية ضمن برامج التكيف الهيكلي.

  ـ  تهيئة “بيئة إقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية تمكن السكان من تحقيق التنمية الاجتماعية”.

  ـ  تمكين الجميع على قدم المساواة من الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأولية.

  ـ  تعزيز التعاون من أجل التنمية الاجتماعية عن طريق الأمم المتحدة.[9]

وعلى الرغم من أن النتيجة التي خلص إليها مؤتمر كوبنهاغن ليست ملزمة قانوناً لأي بلد، فإن لها وزنًا أدبيًا وسياسيًا، ولا سيما أنها تمثل اتفاقًا تم التوصل إليه بين عدد كبير جدًا من زعماء العالم. وتوافق الآراء العالمي هذا له فائدته في نظر البلدان، لأن بإمكانه أن يساعد على وضع معايير وأهداف للتنمية الاجتماعية معترف بها عالميًا. وعلى الرغم من أن للبلدان انطباعًا عامًا مؤداه أن الأهداف والأرقام المستهدفة التي حددت في كوبنهاغن ستكون صعبة التحقيق، فإن معظم الدول لا تزال تؤكد أنها ملتزمة السعي إلى تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية. وقد شكّلت معظم المؤتمرات الدولية التي تلت إعلان كوبنهاغن فرصة لحمل الحكومات على وضع قواعد ومعايير للتنمية الاجتماعية يهتدى بها في الجهود التي تبذلها المؤسسات المالية الدولية الرئيسة الأخرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكل بلد مسؤول عن وضع جدول الأعمال الاجتماعي المحلي الخاص به.

وقد حاولت هيئات الناخبين في عدد من البلدان، منذ انعقاد مؤتمر القمة، أن تصل إلى التوازن الصحيح بين أن يكون هناك تدخل حكومي أقل وضرائب أقل وكفاءة أكبر، وأن تكون هناك حكومة تعمل على تحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية. وفي كثير من البلدان النامية، انصب الكفاح على إيجاد الموارد من أجل جدول الأعمال الاجتماعي من دون تعريض الإصلاحات الاقتصادية للخطر.

 أـ النشاط العالمي لتطبيق مبادئ التنمية الاجتماعية

مع استمرار العولمة النيوليبرالية في فرض تحديات خطيرة، من بينها عدم الأمن والفقر والاستعباد وانعدام المساواة داخل المجتمعات أو في ما بينها وانتشار الأزمات المالية، تزايدت الاحتجاجات الصاخبة لمناهضي العولمة في سياتل العام 1999، التي كانت من أبرز الدوافع الرئيسة لأن يتبنى رؤساء الدول والحكومات (189 دولة) بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من 6 إلى 8 أيلول/ سبتمبر 2000 مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية للدفع قدماً بالتنمية وتخفيض الفقر بحلول العام 2015 أو قبله، ملزمين دولهم بذل المزيد من الجهد في البدء بمعالجة المداخيل غير الكافية، والجوع الواسع الانتشار، وعدم المساواة بين الجنسين، والتدهور البيئي، والإفتقار إلى التعليم والرعاية الصحيّة والمياه النظيفة، كما يتضمن إجراءات تقوم بها البلدان الغنية لتخفيض الديون وزيادة المساعدات للبلدان الفقيرة، والتبادل التجاري معها ونقل التقانة إليها[10]. وأهم ما جاء في قمة الأرض، العمل من أجل تحقيق الأهداف الثمانية التالية:

  ـ “إستئصال الفقر والجوع الشديدين من خلال إنقاص نسبة من يقل دخلهم عن دولار واحد في اليوم والذين يعانون الجوع إلى النصف بحلول 2015”.

  – “تحقيق التعليم الابتدائي الشامل لجميع الأطفال في كل مكان الصبيان والبنات، على نحو مماثل،  القادرين على إكمال المقرر التعليمي للمدارس الإبتدائية بحلول العام 2015”.

  – “الحض على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء من خلال إزالة الفوارق بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي، وفي جميع مستويات التعليم في غضون فترة لا تتجاوز العام 2015”.

  –  “تخفيض نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بحلول العام 2015”.

  – “تحسين الصحة الأمومية من خلال تخفيض معدّل وفيات النساء في إبان الحمل والوضع بنسبة ثلاثة أرباع بحلول العام 2015”.

 – “مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا وأمراض أخرى”.

 – “ضمان الاستدامة البيئيّة وتتركز الغايات على دمج مبادئ التنمية المستدامة في سياسات البلد وبرامجه    وعكس الاتجاه في خسارة الموارد البيئيّة، إنقاص نسبة منعدمي فرصة الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى النصف بحلول العام 2015، وبحلول العام 2020 تحقيق تحسن مهم في حياة ما لا يقل عن مئة مليون من القاطنين في أحياء فقيرة ومكتظة”.

 – “تطوير شراكة عالمية شاملة للتنمية: غاياتها مزيد من التطوير لنظام تجاري مالي منفتح، غير تمييزي، يشمل التزام الحكم الصالح والتنمية وتخفيض الفقر، ومعالجة الاحتياجات الخاصة لأقل الدول نموًا بما في ذلك دعوة البلدان الغنية. وذلك كي توسع من فرص البلدان الفقيرة لدخول السوق وتعزيز الواردات فيها، عبر تخفيض التعرفات الجمركية، والحصص النسبية والكوتا المفروضة على صادرات المصنّعات للدول النامية وإلغائها، وقف الإعانات المالية الحكومية للزراعة، تقديم مساعدات رسمية أكثر سخاءً من البلدان الملتزمة تخفيض الفقر، معالجة احتياجات البلدان المحوطة باليابسة والدول الجزرية النامية (عبر برنامج العمل للتنمية المستدامة الخاصة بهذه الدول)، التعامل على نحو شامل مع مشكلات ديون البلدان النامية من خلال إجراءات إقليمية ودولية لجعل الديون قابلة للتحمل على الأمد الطويل بالتعاون مع الدول النامية، تطوير استراتيجيات لإتاحة العمل اللائق والمنتج لمن هم في سن الشباب، تأمين فرص الحصول على عقاقير جوهرية في الدول النامية بأسعار محمولة بالتعاون مع شركات الأدوية، ومع القطاع الخاص، وجعل فوائد التقنيات الجديدة، وخصوصًا تقنيات المعلومـات والاتصالات، متوافرة[11]”.

وفي سبيل تحقيق الأهداف الثمانية، تتعاون منظّمة الأمم المتحدة مع مجموعة البنك الدولي في وضع استراتيجية لدعم إنجاز هذه الأهداف، وتتمثل عناصر هذه الاستراتيجية الرئيسة، برصد التقدم المحرز على الصعيدين الوطني والعالمي، وتحليل المؤشرات وتقديم الدعم المادي للأولويات الوطنية. ثم طرحت اوراقاً استراتيجية للحد من الفقر بوصفها أداة وطنية أساسية لتركيز النفقات والمساعدة الإنمائية في الحد من الفقر. وحتى الآن فقد أنجز 30 بلدًا الأوراق الكاملة لاستراتيجية الحد من الفقر، بينما أنجز 48 بلداً الأوراق الموقتة منها[12]. وأيضًا من أجل تحقيق أهداف التنمية التي اتفق عليها المجتمع الدولي، ومن ضمنها الأهداف الواردة في إعلان الألفية، إنعقد في مونتيري، المكسيك، أول مؤتمر دولي لتمويل التنمية في 21 و 22 آذار/ مارس 2002، برعاية الأمم المتحدة، ومشاركة 50 دولة، ومندوبي القطاع الخاص، والمجتمع المدني والمنظّمات الحكومية الدوليّة الرئيسة (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظّمة التجارة العالمية). وتم التزام إقامة شراكة جديدة بين البلدان المتقدّمة النمو والبلدان النامية، وباعتماد سياسات سليمة، وأسلوب حكم رشيد على جميع الصعد وبسيادة القانون، وتعبئة الموارد المحلية، وجذب التدفقات الدوليّة، وتشجيع التجارة الدوليّة كمحرك من محركات التنمية، وزيادة التعاون العالمي المالي والتقني لأغراض التنمية، وتمويل الديون التي يمكن تحملها وتخفيض عبء الديون الخارجية، وتحسين تماسك الأنظمة الدوليّة النقدية المالية والتجارية واتساقها.

إذًا تطرق المؤتمر إلى القضايا المهمة في مجالي التمويل والتنمية وسلّم بالعلاقة بين هذين العاملين، وضرورة تعزيز الدعم الدولي لأغراض التنمية من خلال الشراكة بين العناصر المعنية، مستحثاً البلدان المانحة على القيام بجهود ملموسة لبلوغ هدف الإعانة البالغة 7,0% من إجمالي الناتج القومي الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1970، كمساعدات إنمائية رسمية للبلدان النامية، على أن تطبق بفعالية التزاماتها مثل هذه المساعدات للبلدان الأقل نموًا[13]. كما وافق المجتمع العالمي في هذا المؤتمر الدولي، على نهج متماسك ذي مبادئ للتنمية وعلى أول زيادة في المعونة منذ 20 سنة، بإضافة 16 مليون دولار في السنة بحلول العام 2006 من قبل الدول المانحة (23 بلداً). (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا). كما اقترحت المملكة المتحدة إيجاد آلية جديدة، عبارة عن منشأة تمويل دولية، تزود معونة متوقعة وثابتة للاستثمارات المطلوبة لإنجاز الأهداف بحلول العام 2015. وتقوم هذه المنشأة المؤقتة بجمع التبرعات من خلال إصدار سندات في أسواق رأس المال الدوليّة ما يجعل الموارد متوافرة لحظة الحاجة إليها[14]. وضمن إطار الحد من الفقر، عقد مؤتمر بدعوة من البنك الدولي في مدينة شنغهاي الصينية في الفترة 25 – 27 من أيار/ مايو 2004، ضمن حملة التعليم العالمية التي تستهدف تكثيف الجهود الرامية إلى تخفيض أعداد الفقراء. ووضع عاملون في حقل التنمية سياسات من البلدان النامية بتبادل خبراتهم حول الممارسات الناجحة وغير الناجحة، ومعالجة أسباب ذلك[15].

أما في سياق العمل على تحسين الصحة، فقد ساهم التحالف العالمي، ووكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية، الحكومات، والمجتمع المدني، في حشد الموارد المالية، وتسخير المعرفة، وإقامة نظم صحية متينة لعلاج الأمراض والوقاية منها، وتعزيز صحة السكان في نحو 60 بلدًا من بلدان العالم التي تعاني نقصًا بنحو 3,4 مليون من الأطباء، والقوابل، والعاملين في مجال التمريض، والعاملين في مجال الدعم، ولا سيما في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث لا يوجد إلا أربعة من بين كل مائة من أولئك العاملين الصحيين، وتبلغ الحاجة إليهم أشدها[16].

وبعد مرور عشر سنوات تقريبًا على انعقاد مؤتمر قمة كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية، واستجابة للإجماع الدولي المتزايد حول ضرورة جعل التنمية قابلة للاستمرار على الصعيد الاجتماعي بقدر ما هي عليه بالنسبة إلى الصعيدين الاقتصادي والبيئي، أعد البنك الدولي استراتيجيته المعنية بالتنمية الاجتماعية. وفي إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الأبعاد الاجتماعية في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، أطلقت إدارة التنمية الاجتماعية بالبنك الدولي برنامج: “خطة عمل 2015” ترتكز على المساءلة، والتماسك، والشفافية، والاشتمال، والفرص. وتندرج  هذه المبادئ ضمن خطة تنفيذ استراتيجية التنمية الاجتماعية للبنك الدولي التي تحمل عنوان: “تمكين الشعوب من أسباب القوة عن طريق تغيير المؤسسات”. وتهدف هذه الخطة الاستراتيجية إلى إدماج أدوات التنمية الاجتماعية في مختلف أنشطة البنك الدولي. وتضم الأولويات الاستراتيجية الرئيسة ما يلي: “تحسين تدابير مساندة البلدان لإدماج التنمية الاجتماعية في استراتيجياتها المتعلقة بتخفيض أعداد الفقراء أو التنمية؛ تحسين فعالية التنمية الخاصة بالإقراض لأغراض الاستثمار من خلال إدماج التنمية الاجتماعية في المشروعات بطريقة أكثر شمولية وكفاءة؛ تحسين أساليب البحث، وبناء القدرات، والشراكات، لتدعيم الأسس التي تؤدي إلى تحسن أداء العمليات. وينتظم جدول الأعمال الإنمائي لخطة عمل 2015 الخاصة بالبنك الدولي حول أربعة محاور مترابطة، هي: التحليل الاجتماعي، والتنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية ورأس المال الاجتماعي، والمشاركة المدنية، ومنع الصراعات وإعادة الإعمار[17].

التحليل الاجتماعي.

يُستخدم التحليل الاجتماعي في مشاريع البنك الدولي وبرامجه وسياساته للتعامل مع الفرص المتعلقة بالتنمية والقيود والمخاطر التي تعترض سبيلها، والتي تنتج من السياق الاجتماعي. وقد وضع البنك الدولي عدة معايير وإجراءات للتشخيص ومساندة التنفيذ، والتقييم، من شأنها أن تجذب الانتباه إلى قضايا مثل التنوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين، والمشاركة، والمؤسسات المحلية. وتستخدم الأدوات الرئيسة  التالية في التحليل الاجتماعي: “التقييمات الاجتماعية على مستوى المشاريع؛ وتحليلات الفقر وأثره الاجتماعي المتعلق بالإصلاحات والإقراض المستند إلى السياسات؛ والتحليلات الاجتماعية القطرية”. ويجري تطبيق التحليل الاجتماعي حاليًا في البلدان المتوسطة الدخل. ومنذ ربيع 2003، ساند البنك الدولي حوالى مئة نشاط مشابه لمنهج تحليل الفقر وأثره الاجتماعي. أما التحليلات الاجتماعية القطرية، فتعمل على دراسة المجالات الاجتماعية-الاقتصادية، والسياسية-المؤسسية، والثقافية على المستوى الكلي، لإثراء معلومات البنك الدولي والبلدان المقترضة حتى يتسنى تصميم سياسات وبرامج ومشروعات ذات أثر أكبر على التنمية الاجتماعية.

التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية

قام البنك الدولي العام 2005، بزيادة استثماراته على نحو ملحوظ في المناهج التي تضع السيطرة على اتخاذ قرارات التخطيط وموارد الاستثمار في أيدي منظمات المجتمعات المحلية. وتوفر التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية إطار عمل يربط بين مشاركة المجتمع والإدارة المحلية للموارد ونظام الإدارة العامة المحلي التشاركي، وذلك بالتوافق في معظم الأحيان مع الإصلاحات الرامية إلى تحقيق اللامركزية. وتهدف برامج التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية إلى تقوية الروابط بين المجتمعات وشركاء القطاعين العام والخاص ولا سيما سلطات الإدارة المحلية من أجل تحسين تقديم الخدمات، وبناء رأس المال الاجتماعي، وتحسين المساءلة، وتعزيز القدرة المحلية. ويبلغ مجموع قروض البنك الدولي الحالية الموجهة إلى برامج التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية حوالى 2 مليار دولار أميركي سنويًا[18].

المشاركة والإنخراط في الشؤون المدنية.

تشجع المشاركة مبادئ الاشتمال والمساءلة والتمكين من أسباب القوة. وقد أدمج البنك الدولي بنجاح عنصر المشاركة في الإعداد للمشروعات والبرامج؛ ومن ثم تستخدم معظم المشروعات التي يساندها البنك الدولي مناهج تشاركية لتحديد الأولويات وتدابير التنفيذ. ولا يزال البنك الدولي يستخدم أدوات المساءلة الاجتماعية للمتابعة القائمة على المشاركة في أثناء تنفيذ المشاريع، من خلال بطاقات تقارير المواطنين أو بطاقات تقييم نتائج المجتمعات، كما هو الحال في الأرجنتين، ومالاوي، والفيليبين. ويساند البنك الدولي على نحو متزايد البلدان المتعاملة معه في تعزيز الصوت المسموع ومشاركة أصحاب المصلحة المعنيين في نظام الإدارة العامة وإصلاحات القطاع العام (مثل إدارة الإنفاق العام، وتحقيق اللامركزية)، وفي البرامج التي تهدف إلى تحسين تقديم الخدمات العامة. ويستمر البنك الدولي في إتاحة الإرشادات المتعلقة بالمشاركة في استراتيجيات تخفيض أعداد الفقراء، مع التركيز على دعم المساءلة الداخلية وترتيبات الشراكات في تنفيذ الاستراتيجيات ورصد نتائجها ومراجعتها. وفي مجال الإقراض لأجل سياسات التنمية، يشجع البنك الدولي البلدان المتعاملة معه على تعزيز الشفافية ومشاركة أصحاب المصلحة في الإصلاحات المهمة المتعلقة بالسياسات[19].

الصراعات والتنمية

تعدّ الصراعات إشارة قوية إلى الانهيار الاجتماعي. فما أن تنتشر حتى يندلع العنف في كل مكان، مفضية إلى تحطيم الثقة بين الأشخاص والمجتمعات، وتقويض المبادئ والقيم التي تدعم التعاون والعمل الجماعي. ومنذ العام 1998، وافق الصندوق الخاص بمرحلة ما بعد الصراع على تقديم 142 منحة بما قيمته 2,71 مليون دولار أميركي، إلى 38 بلدًا إقليميًا. وقد تلقت منطقة إفريقيا معظم هذه الموارد التمويلية، وتبلغ نسبتها 42% من المقترحات المعتمدة. ونفذت المؤسسات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة غالبية هذه المنح. وقد شجع البنك الدولي أيضًا زيادة البحث في أسباب الصراعات، وقام بتوسيع نطاق قائمة مشروعاته المرتبطة بالصراعات، وزاد من مرونة آليات التمويل الخاصة به لمساندة البلدان التي تمر بمرحلة ما بعد الصراع. من هنا، فإن هذه الخطة هي عبارة عن جدول أعمال للتقدم الاجتماعي والأمن البشري لتحقيق أهداف الألفية الجديدة الانمائية بحلول العام 2015. وعند التركيز من منظور استراتيجي على بناء مجتمعات شاملة ومتماسكة تضم مؤسسات يمكن إخضاعها للمساءلة، سوف تحقق برامج التنمية نتائج هائلة تتميز بالفعالية وقابلية الاستمرار. ومنذ العام 1990 وحتى العام 2005، كانت التنمية الاجتماعية مكوناً أساسياً في 1068 مشروعاً خاصاً بالبنك الدولي، وكان إجمالي المبالغ المخصصة لها 5,17 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل 27%  تقريباً من مخصصات مكونات التنمية الاجتماعية.

وفي الآونة الأخيرة، قامت إدارة تقييم العمليات، وهي إدارة مستقلة في البنك الدولي، باستعراض ما يزيد على 4000 مشروع تابع للبنك الدولي تم تنفيذها على مدار الأعوام الثلاثين الماضية. وخلصت هذه الإدارة إلى أن حوالى 40٪ من جميع المشروعات ركزت جهودها على بعض الأبعاد الاجتماعية مثل المساواة بين الجنسين، والشباب، والمشاركة. وقد عملت المجتمعات المتضمنة للآخرين على تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة إلى مواطنيها. وتميزت المجتمعات المتماسكة بقدرتها على تنظيم العمل الجماعي لتلبية الاحتياجات المشتركة، والتغلب على القيود، وسد الفجوة بين الفوارق الاجتماعية، وإيجاد الحلول المناسبة للاختلافات من دون اللجوء إلى العنف. وشملت المساءلة مؤسسات تتميز بالشفافية والاستجابة، وتقوم بتقديم الخدمات لعملائها بطريقة تتسم بالفعالية والكفاءة والإنصاف[20]. وبالتالي، تتحقق التنمية الاجتماعية المستدامة عندما تتوافر الموارد اللازمة لتوفير احتياجات الأجيال القابلة من فرص التعليم، ومن الخدمات الصحية، وأيضًا من معدلات مقبولة لمستوى المعيشة التي تتجنب حدود الفقر ومعدلاته.

2ـ التنمية الاقتصادية

قبل الدخول في مفاهيم التنمية الاقتصادية، لا بد من توضيح بعض التعابير. إن النمو يحدث تلقائيًا، بينما تحدث التنمية بفعل قوى وإجراءات تهدف إلى التغيير .وتتفق أغلبية الاقتصاديين على أن النمو هو زيادة في السكان أو في الثروات المتاحة أو في أي مؤشر آخر وعلى نحو طبيعي ومن دون فعل أو تأثيرات مسبقة. بينما تشمل التنمية لدى جميع الاقتصاديين النمو وتتضمنه وتمس الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات والعادات. وبالتالي، فإن كلاً من التنمية والنمو الاقتصادي يتضمن الزيادة في الناتج القومي أو زيادة العناصر المستخدمة وزيادة كفاءتها الإنتاجية. فالتنمية تتضمن، بالإضافة إلى زيادة الناتج وزيادة عناصر الإنتاج وكفاءة هذه العناصر، إجراء تغييرات جذرية في تنظيمات الإنتاج وفنونه، وغالبًا ما يكون أيضاً في هيكل الناتج وفي توزيع عناصر الإنتاج بين قطاعات الاقتصاد المختلفة.

وعلى هذا الأساس، فإن الدول المتخلفة تكون بحاجة إلى تنمية وليس إلى نمو فقط، لأنها ليست بحاجة إلى زيادة في إنتاجها وزيادة في كمية الإنتاجية المستخدمة وكفاءتها فحسب، وإنما أيضًا إلى تغيير جذري في بنية هياكلها الاقتصادية والاجتماعية القديمة[21]. بمعنى آخر، هناك اختلاف بين مدلول التنمية الاقتصادية وغيرها من مصطلحات النمو الاقتصادي. فالنمو الاقتصادي، هو معدل النمو في الناتج القومي الإجمالي في إبان فترة زمنية معينة عادة تكون عامًا. كما أنه عبارة عن مجرد ارتفاع في دخل الفرد الحقيقي في إبان فترة محدودة من دون أن يصاحب ذلك أي تغيرات بنيانية. في حين أن التنمية الاقتصادية تعدّ عملية يزداد بواسطتها الدخل القومي الحقيقي للنظام الاقتصادي في غضون فترة زمنية طويلة نسبيًا. ويتبع هذا النمو زيادة في الدخل القومي وفي نصيب الفرد، ومن خلال ذلك تتحسن أوضاع المواطنين وتتزايد قدرات الاقتصاد القومي. يصاحب ذلك تغيرات بنيانية، تتمثل بزيادة التراكم الرأسمالي، وترتفع معه نسبة مستويات الكفاءة الفنية، بل الكفاءة الاقتصادية للمجتمع ككل. فالتنمية الاقتصادية عملية مستدامة.

وتعرف التنمية الاقتصادية بوجه عام على أنها العملية التي يحدث من خلالها تغير شامل ومتواصل، مصحوب بزيادة في متوسط الدخل الحقيقي، وتحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة، وتحسين في نوعية الحياة وتغير هيكلية الإنتاج. ووفق هذا التعريف، فإن التنمية تحتوي على عدد من العناصر أهمها:

  ـ الشمولية، فالتنمية تغير شامل ينطوي ليس على العامل الاقتصادي فقط، وإنما أيضًا الثقافي والسياسي والاجتماعي.

  ـ حدوث زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي فترة طويلة من الزمن، وهذا يوحي بأن التنمية عملية طويلة الأجل.

  ـ حـدوث تحسن فـي توزيع الدخل لصـالح الطبقة الفـقيرة والتخفيف من ظاهرة الفقر.

  ـ ضرورة التحسن في نوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد.

وقد دلت التجارب والدراسات المختلفة على نظرية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أن رأس المال يعدّ أحد أهم العناصر اللازمة توافرها لتحقيق القدر من التنمية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية العناصر الأخرى[22]. والجدير بالذكر أن لقضية التنمية الاقتصادية بعد مجتمعي على مستوى العالم المتقدم أو النامي. وهي تعدّ هدفًا تسعى إليه جميع الدول من خلال العمل على الاحتفاظ بمعدل مناسب من التنمية، حتى يتحقق للمجتمع، على المدى البعيد، التوظف الكامل من دون حدوث تضخم أو انكماش. والهدف من التنمية هو زيادة معدلات النمو في الدخل القومي الحقيقي، أي الحد من البطالة والارتقاء بالمواطن وتحقيق آماله في حياة كريمة وفق معايير صحية وتعليمية واجتماعية وكل ما يجعل منه إنسانًا صالحًا مساهمًا في تقدم وطنه. إنها تهدف إلى رفاهية الإنسان، فهو وسيلتها وغايتها لبناء عالم أفضل يقضي على المعاناة الإنسانية.

وأبرز ما تنطوي عليه عملية التنمية هو إحداث تغيير جذري في هيكلية المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كافة، من أجل القضاء على مسببات التخلف بالقدر الذي يعالج أسباب الفقر، ويضمن حق المحتاجين في الموارد المتاحة في المجتمع، وتوفير الضمانات الاجتماعية لهم وتقديم الرعاية الصحية. هذه المعالجة تتضمن رؤية حول مفهوم التنمية الاقتصادية وأهدافها والسياسات المطلوبة لتحقيقها. والواقع أن العمل على وضع برامج للتنمية الاقتصادية أو الإسراع بها يهم الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. فالدول الغنية ترغب في الاحتفاظ بمعدلات تنمية مرتفعة لتجنب الكساد والركود طويل الأمد. وما لم يكن معدل التنمية مرتفعًا، فإن هذه الدول قد تعاني زيادة الإنتاج عن الحدود المطلوبة مقابل الطلب الكلي (محلي وأسواق خارجية) ومن ثم تواجه مشكلة الكساد والركود والبطالة لأمد طويل. في حين تكون التنمية الاقتصادية مطلبًا ملحًا للدول الفقيرة كأحد الحلول اللازمة لمواجهة التطرّف والحد من تكريس التبعية. وترى أوساط الأمم المتحدة أن العوامل الاجتماعية من أكبر الأسباب في إشعال الصراعات. ومن ثم على استراتيجيات التنمية السعي إلى تحقيق التوزيع العادل للدخول والعوائد الاقتصادية والثروات للحيلولة دون تفجّر الصراعات، وهذا هو مقصد التنمية الاقتصادية[23].

أهداف التنمية الاقتصادية

تتمثّل أهداف التنمية الاقتصادية بزيادة الدخل القومي والارتقاء بمستوى معيشة الإنسان وتقليل الفجوة الداخلية، مع تعديل تركيبة هيكل الاقتصاد القومي لمصلحة قطاع الصناعة والتجارة. وتلك الأهداف هي، في واقع الأمر، بمنزلة علاج للمشكلات الناتجـة من الخصائص الأساسية التي تتمثل باقتصاديات الدول الفقيرة التي تعدّ دولاً منتجة للمواد الاولية وبعضها قابل للنفاد. هذه البلدان تواجه ضغوطًا سكانية وارتفاعًا في معدلات المواليد، وتمتلك موارد طبيعية لم يتم تطويرها نظرًا إلى ضعف الاستثمارات وخصوصًا بالبنية التحتية، إضافة إلى العجز في رأس المال نتيجة ضعف التراكم الرأسمالي بسبب نقص المدّخرات، وميل معدلات التبادل التجاري لغير صالحها، ما يجعل هذه الدول عرضة للتقلب الاقتصادي وتأثرها بالدورات الاقتصادية العالمية. كما أنها تعاني الخلل البنائي لأفراد المجتمع، من حيث انخفاض مستوى المدخول، وسوء توزيع العاملين في القطاعات الاقتصادية، وضعف الإنتاجية وانتشار الفساد الإداري، وعدم الشفافية، واختلال آليات السوق في غياب القوانين الكابحة للاحتكار، ثم الطغيان السلطوي والاستبداد.

فضلاً عن ذلك، هناك الدولة الغنية بالموارد والفريدة بالموقع وذات الموروث الثقافي والحضاري، ولكنها فقيرة بفعل الفساد والاستبداد وتحالف رأس المال غير المنتج مع غاسلي الأموال والمهربين والمتهربين. لا بد من سياسات وإجراءات يتعيّن على الدول انتهاجها كأساس لتحقيق أهداف التنمية. إذ يرى الاقتصاديون أن وجود مناخ وبيئة مؤاتيين لأي نشاط اقتصادي هو نتاج لمجموعة من السياسات التي تم حصر أهمها بما يلي: ترشيد السياسات المالية والنقدية وإدارة الدين الخارجي وخدمته، وهي عناصر رئيسة وضرورية للنمو الاقتصادي الحقيقي المستمر. وينبغي أن تهدف السياسات المشار إليها إلى زيادة المدّخرات وتوجيهها للاستثمار في مشاريع تعمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، على أن يصاحب ذلك وضع حزمة من التشريعات تعمل على بث الإحساس بالثقة لدى المستثمر الأجنبي، ما يحول وظاهرة تهريب الأموال. كما يجب تنمية الصادرات التي يعدها الاقتصاديون بمثابة قاطرة النمو، ووضع التشريعات اللازمة للحد من الاحتكارات، وتحقيق مبدأ السوق الحرة على أسس إقتصادية سليمة توفر المنتوجات بالمواصفات المطلوبة وبالأسعار المناسبة من دون التجرّؤ على حق المواطن في اختيار المنتج الملائم وبالسعر المناسب. هذا بالإضافة إلى توفير البنية التحتية من مواصلات واتصالات وطرق ومنح الإعفاءات الضريبية والجمركية بالقدر الذي لا يؤثر سلباً في الصناعات الوطنية القائمة[24].

 ب ـ تمويل التنمية  

    لا شك في أن تمويل التنمية قضية مجتمعية، وإن كان النصيب الأكبر في تحمل عبئها يقع على عاتق الدول. فإن كان على الأفراد والمؤسسات أدوار يضطلعون بها وواجبات يلتزمونها، فإن الدول، بما تملك من سلطات، تستطيع من خلال أطرها التشريعية وأدوات الإلزام بها أن تنسّق بين الأدوار والمستويات. وقد يثار تساؤل عما هي مسؤوليات المواطنين في قضية التنمية؟ نظرياً، على الفرد، في ظل العدالة المجتمعية أن يعمل بأمانة وكفاءة، بالقدر الذي يزيد من الإنتاج، ويؤدي ذلك إلى فائدة للاقتصاد القومي تتمثل بزيادة في المدّخرات التي تجد طريقها إلى قنوات الاستثمار. أما دور الدولة في التنمية، فهو مهم بما تملكه من تفويض المجتمع لها في وضع التشريعات، وسنّ القوانين وسلامة تطبيقها، وحماية حقوق أفراد المجتمع منتجيـن كانوا أو مستهلكيـن، وكل ما يتعلق بتعبئـة الموارد المحلية، وكيفية تعبئة المدّخرات وتوجيهها للاستثمارات، وإيجاد البيئة الاجتماعية الملائمة للإنطلاق، ما يضع على كاهلها العبء الأكبر في قضية التنمية. خلاصة القول، إن تمويل التنمية مسؤولية جماعية، ويجب عدم النظر إلى التنمية الاقتصادية على أنها سياسة تقبل التأجيل، بل أنها ضرورة ملحة. ومن الناحية الاقتصادية، فإن تمويل التنمية يعتمد على عدة مصادر هي: المدّخرات الوطنية، الاستثمارات الأجنبية، محاصيل الصادرات، الاقتراض (الدين الخارجي/ الدين الداخلي)، المنح والهبات الدوليّة[25].

  المدخرات الوطنية

يتفق معظم الاقتصاديين على أن تجميع رأس المال الحقيقي (الناتج من المدّخرات) هو أحد أهم مصادر تمويل التنمية الاقتصادية. ويقتضي ذلك زيـادة في المدّخرات الوطنية، مع وجود نظام مالي وائتماني يمكّن المستثمر من الحصول على الموارد ثم البدء بالاستثمار. ومن دون مدخرات حقيقية،  قد تؤدي الزيادة النقدية  إلى التضخم. ويقدر معدل الادخار القومي المطلوب بما يزيد عن 25٪ من إجمالي الدخل (بلغت معدلات الادخار في كوريا الجنوبية 5,34٪، تايلاند 34٪، شيلي 6,28٪)، ومن حيث أن جزءًا من المدخرات يجد طريقة إلى الاستثمار، فإن من الأهمية أن تسلك الحكومات طرقًا عادلة لزيادة المدّخرات من خلال زيادة الضرائب بعدالة ونزاهة، وألا تؤدي الزيادة في المدّخرات إلى القضاء على الدوافع المشجعة للأنشطة الاقتصادية. كما يمكن أن يتم تجميع المدّخرات من خلال إصدار سندات حكومية.

ويرى الاقتصاديون أن هناك علاقة متبادلة بين الادخار والتنمية، إذ تتأثر التنمية بحجم المدّخرات المتاحة للاستثمار. وتظل تنمية المدّخرات محور السياسة الاقتصادية لضمان التمويل الكافي للاستثمارات المطلوبة والملائمة للوصول إلى التوظيف الكامل. ويطرح الاقتصاديون ما يسمى بالدورات الاقتصادية السيئة التي تقف حجر عثرة أمام زيادة المدّخرات في الدول الفقيرة حيث يكون مستوى الدخل الحقيقي عادة منخفضًا وهو بالقطع سبب في هبوط مستوى الطلب الذي يؤدي بدوره إلى قلة الاستثمار ومن ثم عجز في رأس المال المتاح لبدء دورة إنتاجية. ويرى الاقتصاديون أن من الأهمية تعزيز تعبئة المدّخرات المحلية التي تعدّ شرطًا من الشروط الأولية لتحقيق معدل مناسب من الاستثمارات ومن ثم التنمية الاقتصادية. ويمكن تحديد هذه الوسائل بما يلي:

 ـ ضرورة زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي من خلال عدالة توزيع المدخول، لأنه المحدد الأساسي للطاقة الادّخارية، وهذا لن يأتي إلا من خلال الحد من ظاهرتي الفقر والبطالة.

 ـ تطوير قطاع التأمين وتحريره باعتباره من أهم آليات تعبئة المدّخرات الاجتماعية.

 ـ العمل على تخفيض كلفة فتح حسابات ادخارية.

هذا بالإضافة إلى أن تطوير أداء الصناديق الادخارية سيؤدي إلى توجيه احتياطياتها إلى الاستثمار في سوق رأس المال، وهو الأمر الذي ينعش الاستثمارات ومن ثم التشغيل وبدء دورات اقتصادية جديدة[26].

– الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تنقسم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى استثمارات عامة وتكون من الحكومات، واستثمارات خاصة وتكون من القطاعات والشركات والمؤسسات الخاصة في البلدان. ويتمثل الاستثمار على المستوى القومي، بأوجه الإنفاق كافة التي تستهدف زيادة الطاقة الإنتاجية للمجتمع أو تحسين مستويات معيشة المواطنين. وبهذا المفهوم يكون للاستثمار هدفان: إقتصادي، ويتمثّل بتحقيق عائد مادي يستهدف منه المجتمع، ويكون ذلك من خلال زيادة الإنفاق بهدف رفع طاقات الدولة الإنتاجية، واجتماعي، ويتمثل بتحقيق رفاهية المواطنين، ويكون ذلك من خلال الإنفاق على الصحة والتعليم والثقافة. فإن الدول تولي الاستثمار أهمية كبيرة وتقرر له أدوارًا في سياستها الاقتصادية وفي الخطط التنموية. والمعرف أن الاستثمار عادة يعتمد على الادخار القومي (مدّخرات الأفراد والشركات والجهات الحكومية)، وتلجأ الدول إلى المدّخرات الأجنبية في حال عدم كفاية المدّخرات المحلية لتحقيق المعدلات المطلوبة من الاستثمار. وفي جميع الأحوال يتطلب أن يكون مناخ الاستثمار مناخاً ملائماً أو مشجعاً للمستثمر. وكلما كانت الظروف الداخلية مستقرة كانت أكثر جذباً للاستثمار وبخاصة الاستثمار الأجنبي.

وتعد الاستثمارات الأجنبية سندًا مهمًا للدول النامية حيث تعوّض العجز في المدّخرات الوطنية المتاحة للاستثمار، كما أنها تعمل على الحد من مشكلات عبء الديون الخارجية وعبء خدمتها. كما أنها تسهم في حل مشكلة العجز في الموازنات العامة للدول وما يتصل بها من مشكلات أخرى كقصور التمويل الحكومي عن الإنفاق الاستثماري وزيادة مطردة في النفقات وعدم القدرة على المنافسة في سوق السلع والخدمات. ويعدد الاقتصاديون الهدف من الاستثمارات الأجنبية في ما يلي:

  ـ الإستفادة من الموارد المتاحة (البشرية ـ المادية).

  ـ الوفاء بالاحتياجات المحلية بدلاً من الاعتماد على الاستيراد.

  ـ تحسين الموارد واستغلالها جيداً[27].

يوفّر الاستثمار الأجنبي المباشر الموارد المالية، بالإضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة التي تساعد على رفع جودة الإنتاج وتقليل الكلفة الإنتاجية، وبالتالي دعم قدرة المنتوجات المحلية التنافسية في الأسواق الخارجية. ويسهم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في فتح أسواق جديدة عن طريق ربط الإنتاج المحلي بحاجة الأسواق الخارجية، قدوم كفاءات فنية وإدارية تعمل على رفع الأداء الاقتصادي؛ تحسين موازين المدفوعات والحد من تأثير الديون الخارجية وفوائدها؛ زيادة الإمكانات التصديرية للدول متلقية الاستثمارات وتعزيز قدراتها التنافسية في الأسواق الخارجية. الواقع، إن الاستثمارات المباشرة وتدفقها إلى بلد ما، على الرغم من أهميتها لاقتصاديات الدول المتلقية ودورها المؤثر في التنمية، فإن تحقيق الآثار المتوخاة من هذه الاستثمارات مرهون بما تؤديه وتوجهاتها والأنشطة التي تعمل فيها. وبالتالي، يجب عدم ربط المنح والقروض وتدفقات الاستثمار بشروط سياسية أو تبعية اقتصادية.

ولكن هناك معوقات أخرى تمثل قيودًا على جذب الاستثمارات في البلاد النامية هي عبارة عن: معوقات مؤسسية: تتمثل بقصور المؤسسات المشرفة على الاستثمار وتعددها، وجمود القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار، والضمانات الخاصة بعدم التأميم، والمصادرة، والحق باسترداد رؤوس الأموال وتحويل الأرباح؛ ومعوقات في البنيان الإنتاجي: وتتمثل بنقص الهياكل الأساسية وتخلفها أو قاعدة رأس المال الاجتماعي، وتخلف قطاعات الخدمات (النقل والمواصلات)، وهو الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض العائد المتوقع، بالإضافة إلى عدم توافر الكوادر البشرية المدربة للأعمال الإدارية، وعدم وجود قاعدة ماهرة من العمال. والى جانب ذلك المناخ الفكري والعقائدي السائد: ويتمثل بوجهة نظر الدولة المتلقية في أساسيات التعامل مع الأموال الوافدة وحقها بمصادرتها أو تأميمها أو توجيهها وفق خطة التنمية، ووجود تيارات متطرفة تؤثر في حالة الاستقرار السياسي، وأيضاً سوء حالة الأمن وتفشي الفساد. هناك آراء متباينة في وجهات النظر من الآثار المحتملة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في التنمية في الدول النامية بين مؤيدي الاقتصاد الحر ومعارضيه من الإشتراكيين، يساندهم في ذلك ممثلو مدرسة التبعية. فنجد أن الرأسماليين مقتنعون بأن الحرية الاقتصادية أنسب الطرائق لتحقيق التصنيع السريع، ومن ثم التنمية الاقتصادية للدول النامية. وهنا يضطلع الاستثمار الأجنبي المباشر، كحزمة من رأس المال والفن الإنتاجي والمصارف والهياكل الإدارية والتنظيمية، بالإضافة إلى القدرات التسويقية، بدور إيجابي في تعويض النقص المحلي في هذه الموارد في الدول النامية. في حين يرى الإشتراكيون أن الاستثمار الأجنبي المباشر أداة لمواصلة استغلال موارد هذه الدول واستنزافها. تتركز معظم الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعات الإستخراجية وقطاع الخدمات، وهذا في مصلحة الدول المتقدمة، ومن شأنه إفقار الدول النامية. كما يمكن أن تكون الاستثمارات كأداة لدعم طبقة النخبة ذات العلاقات بالدول المستثمرة.

إن الأرباح الهائلة التي تجنيها الاستثمارات في الدول المتلقية تعاد إلى الدولة الأم، مع حدوث نقص في الموارد السيادية للدولة نتيجة الاعفاءات الضريبية والجمركية المقررة للشركات المستثمرة. كما يمكن أن يكون للشركات المتعددة الجنسية دور في تفاقم مشكلة التلوث البيئي، إذ تتركز عادة استثماراتها في بعض الصناعات الملوثة كصناعة الكيماويات والأسمنت. كما لا يمكن اغفال دور هذه الشركات في التدخل في شؤون الدول المتلقية الداخلية بالشكل الذي يعرّض استقلال هذه الدول السياسي للخطر عندما تتعارض مصالح هذه الشركات والحكومات الوطنية. ولا بد من الإشارة إلى أن الاستخدام الأمثل للاستثمارات الأجنبية له آثاره الإيجابية في حال الاستقرار المجتمعي، واستخدام الأموال الواردة في مشاريع إنتاجية يزيد من كفاءة المجتمع الاقتصادية من دون أن يصاحب تدفقها استغلال إقتصادي وتحكّم سياسي أجنبي يوجه إنتاجها إلى خدمة الاحتكارات الأجنبية[28].

  التصدير

للتصدير أهمية قصوى في اقتصاد أي دولة. ويعدّها بعض خبراء الاقتصاد قضية مجتمعية تفرض نفسها على مسارات تلك المجتمعات الاقتصادية، ذلك أن للتصدير، بخلاف دوره التمويلي في مجال التنمية الاقتصادية، أهمية كبرى متصلة بنجاح عملية التنمية. فالصادرات، باختصار، تعمل على: تحقيق أثر التقلبات الاقتصادية السيئة في الاقتصاد القومي، دعم قوة مساومة الدولة في الأسواق الخارجية؛ دعم قوة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، توسيع قاعدة المجتمع الاقتصادية. وتصدير إحدى الآليات المهمة لزيادة معدلات نمو الناتج المحلي من خلال توسيع نطاق السوق الذي يعد النفاذ إلى الخارج أهم عناصره. فالتوسع في التصدير عمومًا يساعد على إزالة العوائق أمام القيمة الاقتصادية. وإن زيادة النفاذ به إلى الأسواق الخارجية تمكّن الدول من الحصول على عائد مجز عن تسويق منتوجاتها في الخارج. وهذا قطعًا يسهم في تمويل عمليات التنمية الاقتصادية، شريطة ألا تحجب عوائد الصادرات عن استردادها وتبقى في الخارج لحساب أصحابها. وهو القصور الذي تعانيه أغلبية الدول النامية، حيث يقوم المصدّرون عادة بالتوقيع على مستحقاتهم في المصارف الأجنبية تحسبًا لأي تغيرات قد تطرأ على المجتمع نتيجة تفشي الفساد أو عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. والواقع أن تعظيم قدرة الصادرات التنافسية بالقدر الذي يوفر للتنمية مصدراً وطنياً يتطلب توافر عدد من المقومات، وأهمها:

  ـ الإنتاج وفق مواصفات دولية وبجودة ملائمة.

  ـ التزام معايير البيئية من حيث استخدام المخصبات والمبيدات، كما هو الحال في السلع الزراعية أو استخدام الكيماويات في الإنتاج الغذائي.

 ـ طرح الإنتاج في الأسواق الخارجية مستوفياً لأحدث تقنيات التعبئة والتغليف.

 ـ الدراسة الجيدة للسوق المستهدف وتصميم حملات الدعاية والإعلان المناسبة.

 ـ الإهتمام بخدمات ما بعد البيع، كما هو الحال في السلع الصناعية. ولكن هل يمكن أن تسهم الصادرات في تمويل التنمية الاقتصادية بالقدر المطلوب؟

الواقع، إن إسهام الصادرات في تمويل التنمية يشوبه القصور، فهناك العديد من العوامل المعوقة للنمو المأمول للصادرات نوجزها كما يلي:

 ـ إنخفاض مرونة الجهاز الإنتاجي في الدول النامية.

 ـ إشتداد حدة المنافسة العالمية.

 ـ عدم التزام العديد من المصدرين المواصفات القياسية العالمية.

 ـ ضعف القدرات التسويقية والترويجية في الأسواق الخارجية.

 ـ إرتفاع كلفة التصدير التي تشكل فيها كلفة النقل نسبة كبيرة.

ومن الملاحظ أن هناك سمة غالبة على أداء الصادرات، وهي أن حصيلة الصادرات تتسم بأنها شديدة الحساسية للتقلبات في الاقتصاد العالمي، فأي هزّة في الأسعار العالمية تجد صدىً مباشراً على برامج التنمية. ولا شك في أن الدول النامية ستظل أمدًا غير منظور تعتمد على الاستثمارات الوافدة والاقتراض كأحد أهم وسائل تمويل التنمية، بغضّ النظر عن كل ما تقوم به الدول من جهود لفتح الأسواق الخارجية، سواء من خلال إيجاد برامج لتحفيز المصدريين أم التوسع في الاتفاقيات التفضيلية التي تمنح منتوجاتها في أسواق بعض الدول إعفاءات جمركية تعطيها ميزة نسبية عن منافسيها من دول أخرى[29].

– الإقتراض

هناك نوعان من الاقتراض، اقتراض من الداخل، وهو ما يسمى بالدين المحلي، ويمثل رصيد مديونيتها تجاه المصارف الوطنية. ليس ضروريًا عمومًا أن يكون كل الدين العام المحلي موجهًا إلى الاستثمار، فقد يوجه إلى الإنفاق العام على مشاريع البنية التحتية. أما الدين الخارجي فهو يمثل الالتزامات القائمة بالعملة الأجنبية على الدولة لحساب دول خارجية. وتأتي القروض من مؤسسات دولية وصناديق تنموية وتأخذ شكل تقديم الأموال التي تدرجها الدولة ضمن موازنتها، فتستخدمها في مشاريع تنموية أو في إعادة تأهيل البنية التحتية، وقد تكون في شكل عون فني أو شكل تدريب وتمويل دراسات عدة. ولا شك في أن هذا يساعد في عمليات التنمية من خلال ما يوفره الاقتراض من موارد تمويلية للتنمية. ويتوقف نجاح سياسة القروض على شروط منح القرض من حيث سعر الفائدة، وفترة السماح ومدة السداد، هذا إلى جانب كيفية استخدام القروض ووجهتها، ومدى الاستفادة منها، وعما إذا كانت توجه إلى استثمارات حقيقية من عدمه. إن عبء المديونية من أهم المشكلات التي تقابل الدول المقترضة، وهو أمر يرتبط بطاقة الدول المدينة على تدبير الموارد اللازمة لمقابلة الالتزامات المترتبة على الديون، ومدى تأثير ذلك في الأوضاع الاقتصادية. فالالتزامات جزء من الناتج القومي يُحوّل إلى الخارج، ومن ثم فهو يؤثر في الاستهلاك ومستوى المعيشة كما في الادخار والاستثمار. لذا، فمن الأهمية بمكان ما التوقّف عند آثار الاقتراض في استقلال الدولة المدينة  سياسيًا.
والسؤال الأهم: هل استخدمت الديون على الوجه الصحيح في بعض دول في العالم الثالث؟ كثيرًا ما تصطدم سياسات منح القروض بالشروط من قبل المانحين مثل التدخل في الشؤون الداخلية. إن الاقتراض من الخارج سيظل يسيطر على الأداء الاقتصادي لأي دولة، إلا إذا نجحت في أن تضع سياسة اقتصادية محددة يكون التصدير من أهم ملامحها[30].

  المنح والهبات

تلعب المنح والهبات الدولية الرسمية دورًا مهمًا في برامج التنمية، باعتبارها أحد مصادر التمويل اللازمة لتلك البرامج، ولا سيما بالنسبة إلى الدول الأقل قدرة على اجتذاب الاستثمار الخاص المباشر. ولا شك في أن المنح والهبات تساعد على تعبئة الموارد المحلية، في حال استخدامها وفق قواعد محددة وبشفافية مطلقة تحول دون استخدام هذه المنح في غير الأغراض الواردة لها، كأن تستخدم في سداد الأجور والإيجارات ونفقات الدعاية غير المطلوبة، أو سرقتها كما هو الحال في العديد من بلدان العالم الثالث. وفي هذا الصدد، فإن استخدام المنح والهبات في برامج التنمية سيؤدي إلى تحسين رأس المال البشري والطاقات الإنتاجية والتصديرية. وهي تشكّل أدوات مهمة في إطار دعم البرامج التعليمية والصحية وتحسين البنية التحتية ومرافق المياه والطاقة والصرف، كما أنها شروط مهمة لرفع كفاءة الاقتصاد عمومًا. ولكن يرى بعضهم أن للمنح والهبات كلفة باهظة قد ترتبط بالسيادة الوطنية، إذ أنها غالبًا ما تكون مشروطة من قبل الدولة المانحة التي تفرض رؤيتها السياسية والاقتصادية. وتكون آثار المنح عادة إيجابية إذا نجحت الدول المتلقية في استخدامها من خلال تحسين سياسات التنمية واستراتيجياتها على المستوى الوطني، بغية تخفيف الفقر وتوفير العيش الكريم لأفراد المجتمع، من خلال الحد من البطالة ورفع مستويات الدخل، وهذا كله مرهون بزيادة الاستثمارات كمدخل رئيس لإحداث التنمية.

وإلى جانب الدول، ثمة وكالات ومنظمات متخصصة بمنح الهبات مثل الأونروا، وبرنامج الأمم المتحدة للتغذية، واليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة للمساعدات التقنية. ويأتي الصندوق الكويتي وصندوق أبو ظبي والصندوق السعودي للتنمية كأهم الصناديق التي تعمل في مجال تمويل مشاريع التنمية في الدول العربية والنامية، ويقارب عدد الدول المستفيدة من العون المقدم منها حوالى 130 دولة [31]. أما الصناديق العربية الإقليمية فيأتي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي كأهم الصناديق التي تعمل على تحقيق التكامل العربي، ودعم موازين مدفوعات الدول العربية، من خلال توفير التمويل اللازم للإصلاحات الكلية والقطاعية وخصوصًا القطاعين المالي والمصرفي. أما على المستوى الدولي فهناك البنك الإسلامي للتنمية وصندوق الاوبك للتنمية الدولية. إن تحقيق الاستفادة من المنح، يستوجب على الدول المستفيدة أن تعمل على تهيئة الظروف الداخلية المؤاتية لتوظيف فعّال للمدّخرات، والمحافظة على معدلات كافية للاستثمارات وزيادة القدرات البشرية، مع الحد من هروب رؤوس الأموال ومحاربة الفساد على الصعد كافة لكونه عائقًا للتقدّم ومانعًا للتنمية الاقتصادية المستدامة. إضافة إلى ذلك، هناك الاستقرار السياسي والأمني، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتوافر ضمانات العدالة للمجتمع، ووجود مناخ ديموقراطي، وهي أمور أساسية في عملية التنمية الاقتصادية.

فضلاً عن ذلك، فإن وجود بيئة إستثمارية شفافة مستقرة تشجّع على دخول السوق، مع احترام حق الملكية، وتنظيم المنافسة العادلة بين الاستثمارات المحلية والخارجية، وتطوير النظم الضريبية والجمركية، كلها مع الإقرار بحق الوطن في السيادة غير المنقوصة على أرضه، وحق المواطن في الحصول على حقه من ثروات بلاده في إطار من الحرية. يمكن برامج التنمية الاقتصادية تحقيق المأمول منها إذا راعت الحكومات المشكلات الاجتماعية. ذلك أن المسائل الاقتصادية المتعلقة بالتنمية تعد بسيطة نسبيًا قياسًا بأحوال المجتمع. فالمشكلات الاجتماعية هي الأكثر أهمية وعمقًا، حيث تتعلق باحترام الأوضاع الثقافية والصحية. لذا يجب تحرير النظام الاجتماعي بأكمله بحيث ينشأ نظام سياسي مؤمن بالديموقراطية وتداول السلطة، وحق المواطن في الاختيار والاحتجاج. وأيضًا ينشأ نظام اجتماعي بحيث يكون لكل مواطن الحق في الحصول على ما يشبع رغباته. فالتنمية تعني تغييرًا في كل معانى الحياة. ولن تنجح برامج التنمية الاقتصادية بغير تغيير النظام الاجتماعي ليكون نظامًا يعمق الشعور بالانتماء ويجعل لدى المواطن الدوافع الملائمة للتنمية الاقتصادية[32].

3ـ التنمية المستدامة والبيئة

يكتسي موضوع التنمية، بمختلف مفاهيمه، أهمية بالغة على المستوى العالمي. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة، إهتمام دولي متزايد نحو الحاجة إلى التنمية المستدامة للوصول إلى مستقبل مستدام، وذلك بعد أن كان العالم يتجه نحو مجموعة من الكوارث البشرية والبيئية المحتملة. فالاحتباس الحراري، والتدهور البيئي، وتزايد النمو السكاني والفقر، وفقدان التنوع البيولوجي، واتساع نطاق التصحّر، وما إلى ذلك من المشكلات البيئية التي وردت في الفصل الاول، لا تنفصل عن مشكلات الرفاه البشري ولا عن عملية التنمية الاقتصادية بصورة عامة، إذ إن الكثير من الأشكال الحالية للتنمية ينحصر في الموارد البيئية التي يعتمد عليها العالم. فالارتباط الوثيق بين البيئة والتنمية أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة[33].  العام 1980، أصدر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة وشركاءه (برنامج الأمم المتحدة للبيئة والصندوق العالمي للحياة البرية) وثيقة سميت الإستراتيجية العالمية لصون الطبيعة. وقد تضمنت بدايات لفكرة التنمية المستدامة، بمعنى التنمية التي تحافظ على العمليات البيئية العاملة في نظم الإنتاج المتجدد، أي التي تهيئ للنظم البيئية في الزراعة والمراعي والمصايد والغابات، والقدرة المتصلة على العطاء، والتي تحافظ على ثراء الأنواع وثراء التنوع الوراثي في كل نوع[34]. العام 1987، تم، بموجب تقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية “مستقبلنا المشترك”، دمج الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في تعريف واحد. وأشار التقرير ألا يكون الهم الأول تعظيم الإنتاج إلى أقصى حد، إنما يكون صون القدرة على الإنتاج في المدى الزمني الممتد[35].

تقوم التنمية المستدامة على ركائز ثلاث: الكفاءة الاقتصادية، الكفاءة الاجتماعية والكفاءة البيئية. تعتمد الأولى على الاستخدام الرشيد لثلاث حزم من الأدوات: الأدوات التقنية، الأدوات الاقتصادية، الأدوات الاجتماعية، ويتوقف النجاح على الجمع المتوازن بين الحزم جميعًا. فالأدوات التقنية هي وسائل تحقيق هدف صون الموارد الطبيعية المتجددة، أي قدرتها على العطاء (الإنتاج) في مدى الزمان الممتد، مع زيادة الغلَة في حدود هذه الضوابط، وترشيد استغلال الموارد الطبيعية غير المتجددة بغية تمديد المدى الزمني لعطائها. يطرح هذا الأمر إعادة النظر في الأدوات والآلات التي تستخدم على مستوى الفرد. أما الأدوات الاقتصادية فهي ضوابط الأداء. وقد برزت فكرة “المحاسبة البيئية للموارد الطبيعية” إذ جرى الأمر على عدم إدراج قيمة ما يؤخذ من العناصر المختزنة بالبيئة (حقول البترول والفحم والغاز الطبيعي ورواسب الخامات) في حساب التكاليف. فمصر، كبلد زراعي، ترفض، مثلاً، إدراج مياه الري في حساب كلفة الزراعة. ومن جانبها تقوم الكفاءة الاجتماعية على مشاركة الناس مشاركة فاعلة في مراحل رسم سياسات التنمية، ووضع الخطط وتنفيذ المشاريع، وهذا هو جوهر الديموقراطية. إن حرمان الناس المشاركة يعفيهم من المسؤولية ويعطّل قدرتهم على الأداء، وهنا تبرز أهمية المنظمات الأهلية كأدوات لحشد المشاركة الجماهيرية. ويعدّ العدل الاجتماعي إحدى ركائز التنمية المستدامة التي ترفض الفقر والتفاوت البالغ بين الأغنياء والمدقعين، والمفهوم الأول للعدل الاجتماعي هو العدالة بين الأجيال. إن صون النظم البيئية المتجددة يحفظ للأراضي الزراعية والمراعي والغابات والمصايد قدرتها على الإنتاج المتواصل. وتحتاج الإدارة الرشيدة لموارد الفحم والبترول والغاز الطبيعي وخامات المعادن إلى الضبط الاجتماعي الذي يقاوم الإسراف. والمفهوم الثاني للعدل الاجتماعي هو العدل بين أهل الجيل الحاضر، ويفي باحتياجاته المشروعة[36].

وأشار المبدأ الرابع الذي أقره مؤتمر ريو دي جانيرو العام 1992 إلى أنه: “لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثّل الحماية البيئية جزءًا لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير فيها بمعزل عنها. وتم التأكيد على هذا المعنى من خلال المبدأ الثالث حيث تم تعريف التنمية المستدامة بأنها ضرورة إنجاز الحق في التنمية، بحيث تتحقّق على نحو متساو الحاجات التنموية لأجيال الحاضر والمستقبل”[37].

وبذلك تأكد أن عبارة “التنمية المستدامة” لا تقتصر على التنمية الاقتصادية فحسب، بل تتعداها لتشير إلى مجموعة واسعة من القضايا متعددة الجوانب لإدارة الاقتصاد والبيئة والمجتمع. وهذه العناصر الثلاثة الأخيرة تشكّل الركائز للتنمية المستدامة. وإذا اعتبر أن هذه الركائز تمثل دوائر متداخلة ذات أحجام متساوية، نجد أن منطقة التقاطع تمثل رفاهية الإنسان. فكلما اقتربت هذه الدوائر بعضها من بعض، شريطة أن تكون متكاملة لا متناقضة، إزدادت منطقة التقاطع وكذلك رفاهية الإنسان. وبالتالي، يستشف بأن الارتباط الوثيق بين البيئة والتنمية قد أدى إلى ظهور مفهوم للتنمية يسمى المستدامة، الأمر الذي يستلزم الاهتمام بحماية البيئة بغية تحقيق التنمية المستدامة، وتشكل الطاقة المتجددة إحدى وسائل حماية البيئة. التنمية المستدامة هي التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر، من دون الإضرار بقدرة أجيال المستقبل على الوفاء بإحتياجاتها الخاصة، وهي تفترض حفظ  أصول أغراض النمو والتنمية الطبيعية في المستقبل. هي تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومتناغمة، تُعنى بتحسين نوعية الحياة، مع حماية النظام الحيوي. هي التنمية التي تقوم أساسًا على وضع حوافز تقلل من التلوّث، ومن حجم النفايات والمخلفات، ومن حجم استهلاك الطاقة الراهن، وتضع ضرائب تحدّ من الإسراف في استهلاك المياه والموارد الحيوية. تمثل التنمية المستدامة لدول الشمال الصناعية، إجراء خفض عميق ومتواصل في استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وإحداث تحولات جذرية في الأنماط الحياتية السائدة في الاستهلاك والإنتاج، وامتناعها عن تصدير نموذجها الصناعي للعالم[38].

لذلك، إن حياة الإنسان ورفاهيته ترتبطان بصحة بيئته، ولا يمكن لأي مجتمع أن يستمرّ من دون الغابات، مصادر المياه النظيفة، الأراضي الخصبة ورؤوس الأموال البيئية كافة التي تزوّد الموارد وتمتص المخلفات التي ينتجها الإنسان. وفي هذا الإطار، تقدر منظمة الصحة العالمية أن نوعية البيئة السيئة تسبب 25% من جميع الأمراض التي يمكن الوقاية منها في العالم اليوم. وقد أصبح واضحًا في العقد الماضي أن الأمراض المتصلة بالبيئة تشكل تهديدًا خطيرًا ومباشرًا لصحة الإنسان. وإن عددًا قليلاً من التدابير، التي يعد بعضها من المسلمات في العالم المتقدم النمو، أن يقطع شوطًا بعيدًا نحو تحسين صحة المليارات من سكان العالم النامي. وتشمل هذه التدابير زيادة إمكانات الحصول على مياه الشرب المأمونة، وتوسيع نطاق التكنولوجيات الأساسية للتخلص من النفايات، وتحسين نوعية الهواء في المناطق الحضرية. إن واحداً من كل خمسة من البشر لا يستطيع الحصول على مياه الشرب المأمونة، أحد أبسط احتياجات الإنسان، وفي الوقت نفسه، يزداد الضغط الواقع على موارد المياه ازديادًا مطردًا بفعل زيادة الطلب البشري وغيره من الاستخدامات المتنافسة للمياه. ويستلزم حل هذه المشكلة المزدوجة زيادة الاستثمارات المالية، ويتطلب حلولاً تكنولوجية ابتكارية من القطاعين العام والخاص[39].

وعلى الرغم من علاقة الإنسان الوثيقة ببيئته، فإنه غالبًا ما يغفل حالة التدهور واستغلال تلك البيئة. ولعل اضمحلال مناطق صيد الأسماك، وفقدان الغطاء النباتي، واستمرار تراكم الملوثات والمخلفات تمثل بعض الأمثلة الواضحة على ذلك. وفي عالم ترتفع فيه مستويات الحياة ويزداد تعداد السكان، فإن تحدّي القرن الحادي والعشرين يكون في الإجابة عن السؤال الآتي كيف يعيش السكان ضمن نطاق قدرة كوكب الأرض وإمكاناته؟ يجب أن يقدم المجتمع الدولي إحصاءً بما يمكن كوكب الأرض أن يقدمه مقارنة بما يؤخذ منه بالفعل. ولكي يتم ذلك، هناك حاجة إلى أدوات قادرة على متابعة حركة البضائع والخدمات البيئية في الأنظمة البيئية والاقتصاديات الإنسانية، تمامًا كمتابعة لحركة المال في الأسواق الاقتصادية. إن هذه الأداة المحاسبية هي في الواقع ما يسمى بـ “البصمة البيئية”[40]. وبالتالي، تتأثر معدلات التنمية المستدامة بمجموعة من العوامل:

 أ ـ مدى كفاءة نظم الإدارة البيئية

إن تطبيق نظام إدارة بيئية فعّال (Sufficient Environmental Management System)  يعمل على الحد من التلوث البيئي بالمصانع والوحدات الإنتاجية والمرافق والوحدات الخدمية. ويعمل أيضًا على زيادة حجم الإنتاج نتيجة انخفاض حجم المخلفات الهوائية والصلبة والسائلة، وإعادة تدوير الجزء الذي لا يتم التخلص منه عن طريق أساليب الحد من عناصر التلوث البيئي المختلفة. ويقوم نظام الإدارة البيئية على إعداد سياسة بيئية تهدف إلى تعديل نظام التعامل مع الخامات والموارد الطبيعية. وهذه السياسة تؤدي إلى الحد من استخدام تلك الموارد لتخفيض حجم الملوثات الضارة، أو لاستبدال أنواع معينة من المواد والطاقة بأنواع أخرى منها، واستخدام المواد والخامات والطاقة في تصنيع المنتوجات الأكثر ارتباطًا بأهداف التنمية المستدامة.

 ب–  التوزيع والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة

من أهم السمات الاقتصادية السائدة في دول العالم محدودية الموارد المتجددة وغير المتجددة، ما يؤدي إلى ضرورة البحث عن أساليب ملائمة لتحقيق الاستخدام الأمثل لهذه الموارد. وهذا يعني، عدم زيادة معدلات استهلاك الموارد البترولية بمعدلات تتساوى أو تزيد عن معدلات الاحتياجات من هذه الموارد خلال الفترات أو السنوات التالية .[41](Optimal Allocation and Using the Available Resource)   

انطلاقًا مما تشكّل العولمة النيوليبرالية، التي تقوم على استهلاك المواد غير القابلة للتجدّد بوتيرة لا تكترث بإحتياجات الأجيال المقبلة، من خطر على مبادئ التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئيّة وحقوق الإنسان )الحق في التعلم، والحق في صحة سليمة والحق في بيئة نظيفة (، أصبحت مسألة التنمية البشرية من أولويات اهتمامات المجتمع العالمي، لأن إنعدام التنمية يشكّل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين[42].

نموذج اليابان في التمية الاقتصادية.

حيث تعد اليابان نموذجا شاهدا على أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحدها كافية للوصول بالخصوبة إلى معدل الإحلال فى أوائل ستينيات القرن الماضى، ودون اتباع أى سياسة سكانية تستهدف ذلك فى أى فترة من الفترات.

ورصدت دراسة صادرة مؤخرا عن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أبرز عناصر تجربة اليابان فى خفض معدلات الخصوبة، حيث تراجع معدلات الخصوبة بسبب التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من تحفيز الدولة للنمو السكانى حتى الحرب العالمية الثانية، على الرغم من اتباع الحكومة اليابانية سياسة سكانية تستهدف زيادة معدلات الخصوبة حتى الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تنجح فى تغيير اتجاه الخصوبة الآخذ فى التراجع بفعل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة فى ذلك الوقت.

وتقول الدراسة، إن الحكومة اليابانية نجحت فى تحديث الاقتصاد والتحول من الزراعة إلى الصناعة، بالإضافة إلى النهوض بمستويات التعليم وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية فى وقت مبكر، فقد انخفضت نسبة من يعملون بالزراعة من 54% إلى 25% بين 1920 و1940، وارتفعت نسبة من يعيشون فى الحضر من 18 إلى 38% خلال نفس الفترة، كما نجح الاستثمار الجاد فى التعليم فى القضاء على الأمية بشكل كامل فى 1920 فيما عدا أمية كبار السن.

وعقب الحرب العالمية الثانية تراجعت الحكومة اليابانية عن سياساتها الداعمة للنمو السكانى، نتيجة زيادة الأعباء الاقتصادية للدرجة التى دفعت اليابان لاستيراد الأرز لإطعام شعبها لأول مرة، ولجأت إلى تقنين عمليات الإجهاض عام 1948، حيث كان الحمل يمثل تهديدا لصحة المرأة أو رفاهتها الاجتماعية والاقتصادية وفى عام 1952، بدأت الحكومة برنامجا لتنظيم الأسرة بهدف الحد من الآثار السلبية للإجهاض على صحة المرأة وليس تخفيض معدل الخصوبة، كما كان دور الحكومة محدودا فى تنفيذ البرنامج مقارنة بدور المجتمع المدنى وشركات القطاع الخاص التى أخذت على عاتقها تصميم برامج لتنظيم الأسرة وتحمل تكلفتها لارتباط الإنتاجية ارتباطا وثيقا برفاهية العامل خارج العمل واستقراره الصحى والنفسي.

ركزت الحكومة اليابانية جهودها عقب الحرب فى عمليات إعادة البناء التى انتهت منها بحلول عام 1965، وأخذت على عاتقها عمليات التحديث وبناء رأس المال الاجتماعى والاقتصادى خاصة التعليم والصحة كأولوية قصوى، وفى هذا الصدد تشير بيانات البنك الدولى إلى أن الإنفاق الحكومى على التعليم قد سجل 5.6% من الناتج المحلى الإجمالى فى منتصف الثمانينيات مقابل 4.7% فى منتصف السبعينات، كما ارتفع الإنفاق على الصحة من 5.8% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2000 إلى 9.1% فى 2016.

وعملت الحكومة أيضا على استقرار المناخ الاقتصادى الكلى، وهو ما شجع الادخار والاستثمار المحلى على أن يسجلا 30% على الأقل حتى منتصف التسعينيات، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص وتقديم الحوافز اللازمة للصناعات التصديرية على وجه التحديد، فانخفضت معدلات البطالة إلى ما دون الـ 3% حتى منتصف التسعينيات ثم ارتفعت لتقارب 5% خلال الأزمة الآسيوية والأزمة المالية العالمية، إلا أنها بدأت فى الانخفاض من جديد منذ 2010 لتسجل 2.4% فى 2017، وانعكست هذه الجهود الحكومية فى النهاية على مستويات المعيشة ونصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الذى ارتفع باستمرار منذ الستينيات ليسجل حوالى 50 ألف دولار فى 2017 بأسعار 2010.

وأدى تمكين المرأة متمثلا بشكل أساسى فى النهوض بالتعليم، مصحوبا بتوفير فرص العمل إلى ارتفاع متوسط سن الزواج إلى 30 سنة للإناث و31 سنة للذكور، من ناحية وارتفاع تكلفة الفرصة البديلة للإنجاب من ناحية أخرى، كما أدى ارتفاع مستويات المعيشة إلى عدم التعامل مع الأطفال كأصل اقتصادى مدر للدخل والاهتمام بالكيف دون الكم، ونتج عن ذلك كله التوجه طواعية لتكوين أسر صغيرة الحجم فانخفض معدل الخصوبة بشكل مستمر منذ الخمسينيات حتى الآن ليسجل أدنى مستوى له عند 1.3 طفل لكل سيدة خلال الفترة “2005-2010”.