شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء


شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء

نقدم لكم شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الثلاثاء الحمراء ويكيبيديا شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء للصف الحادي عشر الفصل الثاني شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الصف الحادي عشرمعلومات عن الثلاثاء الحمراء لماذا سميت الثلاثاء الحمراء بهذا الاسم بحث عن الثلاثاء الحمراء شهداء الثلاثاء الحمراء يوم الثلاثاء الحمراء على كلام نيوز

شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء 2020 – 1441

نتيجة بحث الصور عن الثلاثاء الحمراء
شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء

شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الثلاثاء الحمراء ويكيبيديا شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء للصف الحادي عشر الفصل الثاني شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الصف الحادي عشرمعلومات عن الثلاثاء الحمراء لماذا سميت الثلاثاء الحمراء بهذا الاسم بحث عن الثلاثاء الحمراء شهداء الثلاثاء الحمراء يوم الثلاثاء الحمراء

تحليل و شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء

شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء

الثلاثاء الحمراء” هي قصيدة كتبها الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان، في وصف إعدام ملهبي ثورة البراق (1929)، على يد سلطات الانتداب البريطاني، في 17 حزيران 1930: محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير .. ويقول فيها:

لمَّــا تَعَرَّضَ نَجْمُـك المنحوسُ

 وترَّنحت بعُرى الحبالِ رؤوسُ

ناح الأَذانُ وأعولَ النــاقوسُ

 فالليل أكدرُ، والنَّهارُ عَبوسُ

طَفِقَتْ تثورُ عواصفُ    وعــواطفُ

والموتُ حيناً طائفُ أو   خـاطفُ

والمِعْولُ الأَبديّ يُمْعِن في الثرى

لِيردَّهـمْ في قلبِهــا المتحـجِّرِ

*        *        *

يومٌ أطــلَّ على العصور الخاليَه

ودعا : “أمرَّ على الورى أمثاليَهْ ؟ “

فأجابَهُ يومٌ : ” أجلْ أنا روايَه

لمحــاكم التَّفتيش، تلكَ الباغِيَه

ولقــد شهدتُ عجائباً   وغرائباً

لكنَّ فيــكَ مصـائباً    ونوائباً   

لم ألْقَ أشباهاً لهـا في جورْهِا

فاسأل سواي وكم بها مِنْ منكَرِ “

*        *        *

وإذا بيــومٍ راسفٍ بقيودِهِ

فأجابَ، والتاريخُ بعضُ شهودهِ :

” أنظر إلى بيضِ الرَّقيق وسودِهِ

مَنْ شاءَ كانوا مُلكَهُ بنقــودِهِ

بشرٌ يُباعُ ويُشترى فتحررَّا

ومشى الزَّمانُ القهقرى  فيما أرى …

فسمعتُ مَنْ منعَ الرَّقيق وبَيْعَـهُ

نادى على الأَحرارِ يا مَنْ يشترى “

وإذا بيـومٍ حالكِ الجِلبْـابِ

مُتَرّنـحٍ من نَشْوةٍ الأَوْصابِ

فأجابَ : ” كلاّ ، دون ما بكَ ما بي

أنا في رُبى (عالية) ضاع شبابي

وشهدتُ للسفَّاح ما   أبكى دما

ويلٌ له ما أظلما     لكنما …

لم ألْقَ مِثْلَكَ  طالعاً في روعـةٍ

 فاذهبْ لعلَّكَ أنتَ يَومُ المحشرِ “

*        *        *

(اليومُ) تُنكرهُ اللَّيالي الغـابره

وتظلّ تَرْمقُه بعينٍ حــائره

عجباً لأَحكام القضاءِ الجــائرهْ

فأخفُّها أمثالُ ظُلمٍ سائـره

وطن يسيرُ إلى الفناءْ بلا رجاءْ

والداءُ ليس لهُ دواءْ إلاّ الإباءْ

إنَّ الإباءُ مناعةٌ ، إن تَشْتَـمِلْ

 نفسٌ عليه تَمُتْ ولمَّا تُقهرِ

*        *       *

الكلُّ يرجو أن يُبكِّرَ عَفْـوُهُ

نَدْعو له ألاّ يُكَدَّرَ صفوُهُ ..!

إنْ كان هذا عطفُهُ وحُنُوُّهُ …

 عاشتْ جلالَتُهُ وعاشَ سُموّهُ ..!

حَمَلَ البريدُ  مُفصِّلا ما أُجملا

هلاَّ اكتفيتَ  توسُّلا وتسوُّلا

والموتُ في أخــذِ الكلامِ  وردِّهِ

فخذِ الحياةَ عن الطَّريقِ الأَقصرِ

*        *        *

ضاق البريدُ ومـا تغيَّرَ  حالُ

والذّلّ بين سطورِنـا أشكـالُ

خُسْرانُنــا الأَرواح ، والأَموالُ

وكرامةٌ – يا حسرتا – أسمالُ

أوَ تُبصرون وتسألونْ ماذا يكونْ ؟!

إنَّ الخداعَ له  فنونْ مِثْلَ الجنونْ

هيهاتَ ، فالنفسُ الذليلةُ  لو  غَدَتْ

مخلوقةً  من أعينٍ لم تُبْصرِ!

*        *        *

أنَّى لشاكٍ صوتُه أنْ يُسْمَـعا

 أنَّى لباكٍ دمعهُ أنْ  يَنفعـا

صخرٌ أحسَّ رجاءَنا فتصدَّعا

 وأتى الرجاءُ قلوبَهم فتقطَّعا. .

لا تعجبوا، فمن الصخورْ   نبعٌ يفورْ

ولهم قــلوبٌ كالقبور    بلا شعورْ

لا تلتمسْ يوماً رجاءً عندَ مَنْ

جرَّبْتَهُ فوجدتَهُ لم يَشْعُرِ

*        *        *

الساعات الثلاث

الساعة الأولى

أنا ساعةُ النفسِ الأبيَّـه      الفضـلُ لي بالأسبقيَّه

أنا  بِكْرُ   ساعـات  ثلاثٍ   كلها   رمزُ   الحميَّه

بِنْتُ القضيَّةِ  إنَّ  لي    أثراً جليلاً في القضيَّـه

أَثرَ   السّيوف   المشْرَفيّــَةِ  والرماحِ   الزاغبـيَّه

أودعتُ في مُهجِ  الشبيبةِ نفْحــةَ الرّوح  الوفـيَّه

لا بــدَّ من يوم لهم    يَسْقي العدا كأسَ المنيَّـه

قسماً بروح (فؤاد) تصعدُ  من جوانـحِهِ زكيـه

تأتي السواءَ حفيــةً فتحلّ جنَّتَها  العـليّــَه

ما نـال مرتبـةَ الخلودِ  بغيْرِ تضحيــةٍ  رضيـه

عاشتْ نفوسٌ في سبيلِ بلادِهـا  ذهبتْ  ضحيَّة

الساعة الثانية

أنا ساعةُ الرجل العتيدِ      أنا ساعةُ البأسِ الشـديدِ

أنا ساعـةُ الموت  المشـرِّفِ كلَّ  ذي  فعلٍ مجيدٍ

بطَلي يُحطِّمُ قيدَهُ   –   رمزاً لتحطـيم القيـودِ

زاحمتُ مَنْ قَبْلي  لأَسبِقَها  إلى  شَرَفِ الخـلودِ

وقَدَحْتُ في مُهَجِ الشبابِ شرارةَ العزمِ الوطيدِ

هيهاتَ يُخدَعُ بالوعودِ ، وأن يُخـدَّرَ بالعهودِ

قسماً بروحِ (محمد) :  تَلْقى الردى حُلْوَ الورودِ

قسماً بأُمِّكَ عنـد  موتِكَ  وهي  تهتفَ  بالنَّشيدِ

وترى العزاءَ عَنْ ابنِها في صيتِهِ الحسنِ البعيدِ

مــا نال مَنْ خدمَ البلادَ أَجلَّ من أجْرِ الشهيدِ

الساعة الثالثة

أنا ساعةُ الرّجل الصَّبور أنا ساعةُ القلبِ الكبيرِ

رمزُ  الثَّباتِ  إلى  النهاية في الخـطيرِ  من  الأُمور

بطَلي أشدّ  على لقـاءِ الموتِ من  صُمِّ  الصّخورِ

جذلان يرتقبُ الردى فاعجبْ لموتٍ في سرورِ

يَلْقى  الإله  ( مُخَضَّبَ الكفَّيْن )  في  يومِ  النّشورِ

صَبْرُ الشبابِ على المصابِ  وديعتي  ملءُ الصّدورِ

أنْذرتُ أعـداءَ البـلادِ بشـرّ ِ يومٍ  مُستطـيرٍ

قسماً   بروحك  يا   ( عطاء )  وجنَّةِ الملِكِ القديرِ

وصغارِكَ  الأشبالِ  تبكي  اللَّيثَ  بالدّمعِ  الغزيرِ

ما أنقذَ الوطنَ المفدَّى غيرُ صبَّارٍ جَسورٍ

الخاتمة

الأبطال الثلاثة

أجسادهُم في تربة الأَوطانِ

 أرواحُهُم في جنَّةِ الرّضْوانِ

وهناكَ لا شكوى من الطغيانِ

وهناك فيْضُ العفْوِ والغفرانِ

لا ترْجُ عفواً من سواهْ هو الإلهْ

وهوَ الذي ملكَتْ يداهْ كلَّ جاهْ

جَبَرُوتُه فوقُ الذين يغرّهْم

 جَبَرُوتُهمْ في برِّهمْ والأَبحرِ

***

وكان الإنجليز في أعقاب ثورة البراق وأحداث العام 1929، شكلوا محكمة عسكرية، وذلك بدعوى محاكمة العرب واليهود الذين اشتركوا في الأحداث، وأصدرت حكماً بإعدام ثلاثة من الفلسطينيين هم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير. وقال فؤاد حجازي لزائريه: “إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئاً من كابوس الإنجليز عن الأمة العربية الكريمة، فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا كي يزول هذا الكابوس عنا تماماً”. وقد نفذ فيهم حكم الإعدام، ولم يكترث الإنجليز بالوساطات العربية لتخفيف حكم الإعدام.

وقال الشهيد فؤاد حجازي في وصيته التي كتبها بخط يده، وبعث بها إلى صحيفة اليرموك يوم 18/6/1930م:

“إذا كان لديَّ ما أقوله وأنا على أبواب الأبديّة فإنِّي أوجز القول قبل أن أقضي :

أخويَّ العزيزين يوسف وأحمد وفَّقكما الله، رجائي إليكما أن تفعلا بما أُوصيكما به، أوصيكما بالتعاضد والمحبَّة الأخوية، والعمل بجدٍّ واجتهاد على مكافحة شقاء الدنيا لإحراز السّبق في مضمار هذه الحياة التي ستقضونها – إن شاء الله – بالعزِّ والهناء.

ورجائي إليك يا يوسف.. يا حبيبي أن تلجأَ إلى الهدوء والسكينة، وأن لا تأتي بعمل تكون عاقبته وخيمة، عليك أن لا تتأثر لمصرع فؤاد، لأنَّ فؤاد لم يخلق إلاّ لهذه الساعة، وله الشرف الأعلى بأن يقضي في سبيل القضية العربية الفلسطينية.

عليك بطاعة والدتك وشقيقك يوسف.

أحمد.. السكينة السكينة، الهدوء الهدوء، ملابسي تحفظ شهراً ثم تُغسل، ممنوع قطعياً تنزيل أي طقم عليَّ سوى اللباس والفنيلّة والكفن داخل تابوت.

البكاء، الشخار، التصويت، هذا ممنوع قطعياً، لأنَّني لم أكن أرضاها في حياتي، خاصة تمزيق الثياب. يجب الزغردة والغناء، واعلموا أن فؤاداً ليس بميت، بل هو عريس ليس إلاَّ.

يجب الاستعلام بواسطة الدلاّل عما إذا كان يوجد لأحد شيء بذمة فؤاد وسداده فوراً، وأعود فأوصيكم بطاعة الوالدة.

إنّ الضريح سيشيّد على نفقة لجنة الإسعاف العربية بالقدس، فلتعمل جنينة عند ضريحي بداربزين على الدّاير.

عليك أن ترفع رأسك بين أقرانك وأنت لا تدع للحزن سبيلاً إلى قلبك، وأن ترتدي دائماً الملابس الجديدة، وأن تحلق يومياً، عليك أن تذهب للنزهة والأفراح كعادتك، بل أكثر.

عليك بالسّهر على مستقبلك، فإذا كان الله قضى بذلك عَلَيَّ فما عليك أنت إلاّ الاطمئنان لحكمه تعالى، إنَّني من جهتي أسامح كل من شهد عَلَيّ، خاصةً سعيد العسكري، وغداً يوم الحشر سأقابله وأطلب حقِّي منه من الله سبحانه وتعالى، وعليك أن لا تضمر لأحد سوءاً، كما أوصيك بطاعة الوالدة واحترامها.

حبيبي أحمد :

أمّا أنت يا أحمد فعليك العناية بدروسك والاجتهاد فيها، وأن لا تجعل القلق يستولي عليك.

تأثَّرت من قولك حين زيارتك لي إنَّك ستأخذ بثأري، فهذا يا حبيبي لا يعنيك أنت لأنَّني لستُ بأخيك وحدك، بل أنا قد أصبحت أخا الأمة العربية، وابن الأمة جمعاء.

يا والدتي :

أُوصيك وصيَّة، والوصية – كما قيل – غالية:

أن لا تذهبي إلى قبري إلاَّ مرَّة في الأسبوع على الأكثر، ولا تجعلي عملك الوحيد الذهاب إلى المقبرة.

إنَّ يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج، وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17/6 من كل سنة، إنَّ هذا اليوم يجب أن يكون يوماً تاريخياً تُلقى فيه الخُطب، وتُنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية”.

***

وحكمت المحكمة على 800 من العرب بالسجن سنوات مختلفة، أما اليهود فقد اكتفت بالحكم بإعدام يهودي واحد هو خانكيز، وهو شرطي يهودي قتل عائلة عربية كاملة في بيتها في يافا، ولكن الإنجليز خففوا عنه حكم الإعدام إلى السجن لعشر سنوات، قضى بعضها في السجن، ثم أطلق سراحه.

وقام الفلسطينيون بالاحتجاج على حكم المحكمة الجائر والمتحيز لليهود، ثم قاموا بتشكيل لجان إغاثة لتقديم العون والمساعدة لعائلات الشهداء والجرحى.

وقد هز إعدام الشهداء الثلاثة على يد الإنجليز مشاعر الفلسطينيين، في الداخل والخارج، إلا أن الإنجليز لم يأبهوا وأعدموهم. وقال عز الدين القسام عقب إعدامهم في خطبة نارية: “يا أهل حيفا .. يا مسلمون، ألا تعرفون فؤاد حجازي؟ ألم يكن فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم إخوانكم؟ ألم يجلسوا معكم في دروس جامع الاستقلال؟ إنهم الآن على المشانق .. حكم عليهم الإنجليز بالإعدام من أجل اليهود”.

وتابع القسام قائلاً: “أيها المؤمنون: أين نخوتكم؟ أين إيمانكم؟ وأين هي مروءتكم؟ … إن الصليبية الغربية الإنجليزية، والصهيونية الفاجرة اليهودية، تريد ذبحكم كما ذبح الهنود الحمر في أميركا، تريد إبادتكم أيها المسلمون، حتى يحتلوا أرضكم من الفرات إلى النيل، ويأخذوا القدس، ويستولوا على المدينة المنورة، ويحرقوا قبر الرسول .. إنهم يريدون اللعب بأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وتحويلهن إلى خدم لهم وسبايا”.

وكان تنفيذ حكم الإعدام بحق الشبان الثلاثة قد بدأ في الساعة الثامنة، حيث نفذ الحكم في الشهيد فؤاد حجازي، وفي التاسعة نفذ في الشهيد عطا الزير، وفي العاشرة نفذ في الشهيد محمد جمجوم، ووصف الشاعر إبراهيم طوقان هذه الساعات الثلاث في قصيدته “الثلاثاء الحمراء”.

وإذا كان الحكم البريطاني قاسياً بحق المواطنين العرب، فإن أسباب اندلاع ثورة البراق لم تؤخذ بالحسبان، ما يؤكد أن اليهود قد أشعلوا فتيل المعركة تلك، وأن البريطانيين قد ساعدوهم من خلال إيقاع أحكام قاسية بحق المواطنين العرب، لمنعهم من الإقدام على التصدي لليهود، ومنع أنشطتهم العدائية مستقبلاً.

لقد كانت التظاهرة الضخمة لليهود في 14 آب 1929 في تل أبيب، والتي جاءت لمناسبة ذكرى تدمير ما يسمى “هيكل سليمان” المزعوم، ثم نظموا تظاهرة ثانية في اليوم التالي في شوارع مدينة القدس، وتوجهوا نحو جدار الأقصى الغربي، جدار البراق أو “حائط المبكى” كما يحلو لليهود أن يسموه، وهناك رفعوا العلم الإسرائيلي، وأنشدوا “الهتكفا” (النشيد القومي الصهيوني)، وهاتان التظاهرتان كانتا الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة البراق، إذ تجمع المسلمون في اليوم التالي لهذه الحادثة، وكان يوم جمعة وذكرى المولد النبوي الشريف، في باحة المسجد الأقصى المبارك، وساروا بعد الصلاة في تظاهرة كبيرة حطموا خلالها منضدة لليهود على رصيف حائظ البراق، وأحرقوا أوراق الصلوات اليهوية الموضوعة في ثقوب الحائط.

وتوالت الاشتباكات الدموية حتى حصل الانفجار يوم 23 آب/ أغسطس، والذي يعرف تاريخياً بـ “ثورة البراق”، حيث هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود، وتدخل “البوليس” البريطاني بعنف، مستخدماً الأسلحة المختلفة، بما في ذلك الطائرات الحربية، وعاشت فلسطين للمرة الأولى أسبوعاً دموياً بين العرب واليهود، بعدما امتدت الاشتباكات إلى المدن الأخرى والقرى المختلفة.

وكانت نتيجة ذلك عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وسيطر القلق والتوتر على أجواء البلاد، وزاد من أجواء التوتر ذلك المنشور الذي أصدره المندوب السامي الثالث (تشانسلور) في أول أيلول، إثر عودته إلى البلاد من لندن، فهو لم يكن متسرعاً ومنحازاً لليهود فحسب، بل كاذب في افتراءاته على العرب، ووقح جداً في تعابيره.ونقتطع مما جاء في بيانه الذي أعلنه تعليقاً على تلك الأحداث: “عدت من المملكة المتحدة فوجدت بمزيد من الأسى أن البلاد في حالة اضطراب، و أصبحت فريسة لأعمال العنف غير المشروعة، وقد راعني ما عملته من الأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار سفاكـي الدماء، عديمي الرأفة وأعمال القتل الوحشية التي ارتكبت بحق أفراد الشعب اليهودي، الذين خلوا من وسائل الدفاع بقطع النظر عن عمرهم، وعما إذا كانوا ذكوراً أو إناثاً، والتي صحبتها كما وقع في الخليل أعمال همجية لا توصف، وحرق للمزارع والمنازل في المدن وفي القرى، ونهب وتدمير الأملاك. إن هذه الجرائم أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة، فواجبي الأول أن أعيد  النظام إلى نصابه في البلاد، و أوقع القصاص الصارم بأولئك الذين سوف يثبت عليهم أنهم ارتكبوا أعمال عنف وستتخذ جميع التدابير الضرورية لإنجاز هاتين الغايتين”.

لقد كانت ثورة البراق مفصلاً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني، أثبتت عدوانية اليهود ونواياهم المبيتة لأرض فلسطين وشعبها، كما كانت وصمة دامغة في تاريخ القضاء البريطاني، ولعل التضحية بالذات في سبيل المجموع قد تجلت بأنصع صورها من خلال تسابق الشهداء الثلاثة إلى حبل المشنقة، حيث أراد كل واحد منهم أن يسبق زميليه إلى الحبل الرهيب، في محاولة لإيصال رسالة واضحة إلى الجلاد البريطاني، وقد وصلت الرسالة بالفعل.

 وفي هذا الصدد، تصف فدوى طوقان اليوم الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام بالقول: “وفي نهاية الثلاثاء السابع عشر من حزيران من عام 1930، كان التكبير على المآذن وقرع النواقيس في الكنائس يتجاوب صداها في أرجاء فلسطين قاطبة، إذ في ذلك النهار نفذ حكم الإعدام بالشهداء الثلاثة، في ثلاث ساعات متوالية، فكان أولهم فؤاد حجازي، و ثانيهم محمد جمجوم، و ثالثهم عطا الزير، وكان من المقرر رسمياً أن يكون الشهيد عطا الزير ثانيهم، ولكن جمجوم حطم قيده و زاحم رفيقه على الدور حتى فاز ببغيته”.

وهنا يأخذ الشاعر ريشته ليصور هذا اليوم المخضب بالدماء، وليسجل في سفر الشعر الوطني الخالد مصارع أولئك الشهداء فتكون قصيدة إبراهيم طوقان “الثلاثاء الحمراء”.

“وفي الحفلة السنوية لمدرسة النجاح بمدينة نابلس، ولم يكن قد مضى على تنفيذ حكم الإعدام سوى عشرة أيام، ألقى الشاعر إبراهيم طوقان قصيدته أمام الجمهور الذي كان ما يزال مستفـزاً ومستثاراً، وعواطفه،لم تبرد بعد، وما أن ألقى الشاعر قصيدته حتى فقد السامعون كل رباطة جأش وكل هدوء، فكأنما خرج الناس من لحومهم ودمائهم، فما أن انتهى الشاعر من إلقاء قصيدته حتى كان بكاء الناس ونشيجهم يملأ ساحة المدرسة، ثم اندفعوا خارج المدرسة في تظاهرة شديدة وعارمة، حتى قيل يومها “لو أن إبراهيم ألقى قصيدته في بلد فيها يهود لوقع ما لا يحمد عقباه”.

***

ظلّت فلسطين ميداناً للصراع بين الغزاة اليهود والمواطنين الفلسطينيين الأصليين، أهل البلاد، وتصاعدت المواجهات حتى وصلت أوجها في العام 1929 إثر ثورة البراق، وكان البريطانيون يحكمون البلاد وينحازون لصالح اليهود في التحكيم، إضماراً لتحقيق تصريح وزير خارجّيتهم بلفور في العام 1917.

لقد شهدت مدينة حيفا أنموذجاً للتجني البريطاني السافر على العرب إثر أحداث العام 1929 “التي كان اليهود سببها، فقد أذاعت وكالة الأنباء (رويتر)، في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني (نوفمبر) العام 1929م، أن محكمة حيفا أدانت تسعة من العرب، فحكمت عليهم بالإعدام، وحكمت على اثنين بالسجن خمسة عشر عاماً لكل واحد منهما، لاتهامهم بقتل أسرة يهودية.

كما نُفّذ حكم الإعدام فوراً في ثلاثة من شبان فلسطين هم: فؤاد حجازي وعطا أحمد الزير ومحمد خليل أبو جمجوم. ونفذ فيهم الحكم صباح يوم الثلاثاء، السابع عشر من شهر حزيران – يونيو) العام 1930م(#)، حيث كان يوماً مشهوداً، انفجرت فيه العبرات وغلى الحقد في الصدور، لقد تصاعدت أصوات المآذن تستنزل الرحمات.. وقرعت نواقيس الحزن في الكنائس.. وولولت النساء.. وتصاعد عويلهن في البيوت.. وتساقطت الدموع غزيرة من مآقي الرجال المجتمعين في الجوامع والمعابد.. وأنشدت الجماهير نشيد: “يا ظلام السجن خيّم” وقد خيمت روعة الموت..(#)، كما نشرت ذلك جريدة الزهور التي كانت تصدر في حيفا، بعددها رقم     (19) من حزيران العام 1930.

وكان تنفيذ حكم الإعدام بحق الشبّان الثلاثة قد بدأ في الساعة الثامنة، حيث نُفذ الحكم في الشهيد فؤاد حجازي، وفي الساعة التاسعة نفذ في الشهيد عطا أحمد الزير، وفي الساعة العاشرة نفذ في الشهيد محمد جمجوم. وقد وصف الشاعر إبراهيم طوقان هذه الساعات الثلاث في قصيدته: “الثلاثاء الحمراء” التي سأقوم بتحليلها والتوقف عندها؛ لما تمثله من قيم تاريخية وفنية وسياسية وتحريضية وفكرية مجتمعة مع القيمة الإبداعية التجديدية في النظم والموسيقى معاً.

وإذا كان الحكم البريطاني قاسياً بحق المواطنين العرب، فإنّ أسباب اندلاع ثورة البراق لم تؤخذ بالحسبان، الأمر الذي يؤكد أن اليهود قد أشعلوا فتيل المعركة تلك، وأن البريطانيين قد ساعدوهم من خلال إيقاع أحكام قاسية بحق المواطنين العرب لمنعهم من الإقدام على التصدي لليهود ومنع أنشطتهم العدائية مستقبلاً.

لقد كانت المظاهرة الضخمة لليهود في 14 آب 1929 في تل أبيب، والتي جاءت بمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان المزعوم، ثم نظموا مظاهرة ثانية في اليوم التالي في شوارع مدينة القدس وتوجهوا نحو جدار الأقصى الغربي، جدار البراق أو ما شاع اسمه بحائط المبكى، وهناك رفعوا العلم الصهيوني وأنشدوا الهتكفا؛ (النشيد القومي الصهيوني)، وهاتان المظاهرتان كانتا الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة البراق، إذ تجمع المسلمون في اليوم التالي لهذه الحادثة – وكان يوم جمعة ويوم ذكرى المولد النبوي الشريف – في باحة المسجد الأقصى المبارك، وساروا بعد صلاة الجمعة في مظاهرة كبيرة حطموا خلالها منضدة لليهود على رصيف حائط البراق “المبكى”، وأحرقوا أوراق الصلوات اليهودية الموضوعة في ثقوب الحائط. وتوالت الاشتباكات الدموية حتى حصل الانفجار يوم 23 آب، والذي يعرف تاريخياً بـ “ثورة البراق”، حيث هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود وتدخل البوليس البريطاني بعنف، مستخدماً الأسلحة المختلفة والطائرات الحربية للإرهاب، وعاشت فلسطين للمرة الأولى أسبوعاً دموياً بين العرب واليهود، بعدما امتدت الاشتباكات إلى المدن الأخرى والقرى المختلفة. وكانت نتيجة ذلك عشرات القتلى والجرحى من الجانبين وسيطر القلق والتوتر على أجواء البلاد “وزاد من أجواء التوترذلك المنشور الذي أصدره المندوب السامي الثالث (تشانسلور) في أول أيلول، إثر عودته إلى البلاد من لندن، فهو لم يكن متسرعاً منحازاً لليهود فقط، في منشوره، وإنّما كان كاذباً في افتراءاته على العرب ووقحاً جدا في تعابيره.”(#).

لقد كانت ثورة البراق مفصلاً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني، أثبت عدوانية اليهود ونواياهم المبيّتة لأرض فلسطين وشعبها، كما كانت وصمة دامغة في تاريخ القضاء البريطاني. ولعلّ التضحية بالذات في سبيل المجموع، قد تجلّت بأنصع صورها من خلال تسابق الشهداء الثلاثة إلى حبل المشنقة، حيث أراد كل شهيد منهم أن يسبق زميليه إلى الحبل الرهيب في محاولة لإيصال رسالة واضحة إلى الجلاد البريطاني، وقد وصلت الرسالة بالفعل.

الثلاثاء الحمراء:

من هنا كان عمق الحدث وفجاعته الدموية القاهرة محفزاً للمبدعين، ودفعهم إلى التأريخ إبداعياً، فكان أن دخلت إلى السجل الشعري التثويري قصيدة “الثلاثاء الحمراء” للشاعر إبراهيم طوقان، ذات العمق الفني والتنويع الموسيقي والبعد التثويري المتوافر بين كلماتها، إذ “إنّ الروائع الأدبية التي يقدرها الناس، والتي تملك القدرة على الاستمرار في التاريخ، إنما هي تلك التي تعكس خصائص فترة من الزمن، وشعب بعينه، دون أن تغفل تراث هذا الشعب، وهي بذلك تساهم بشكلٍ خلاق في إغناء الثقافة الإنسانية بما هو عام ومتميز.”(#)

لقد أصبحت قصيدة “الثلاثاء الحمراء” عنوانا وطنياً ونضالياً للشعب الفلسطيني يشير بوضوح ودلالة إلى مرحلة تاريخية ذات أثر مهم في التضحية والمقاومة. لذلك فإنّها تحتل حيّزاً لافتاً من مساحة الشعر الفلسطيني المقاوم ذي القيمة الفنية والنضالية والتاريخية، وهي تشكل محطة إبداعية من محطات التطور الشعري لدى إبراهيم طوقان(#)، ولأن التركيز على قصيدة بعينها، أو مقاطع معينة، ترجع أهميتها إلى كونها نقطة مركزية في النص الشعري، يخدم البنية الدلالية لكل قصيدة أو البنية الكلية للديوان(#)، فإن أهمية إفراد حيّز خاص لقصيدة “الثلاثاء الحمراء” ودراستها هنا، تظهر بوضوح.

وإذا كانت القصيدة، بتركيباتها المتوحدة عضوياً والمتباعدة نفسياً، تنتج عن حالة إبداعية-نفسية معينة لدى الشاعر، فإنها تفعل فعلها التأثيري في جمهور المستمعين والقراء، فتحقق غايتها التثويرية إذا ما نبعت من موهبة خصبة وإبداع فيّاض كما هو الحال عند إبراهيم طوقان، حيث ألهبت قصيدة “الثلاثاء الحمراء” جماهير الشعب، وأثارت غضبهم وأحقادهم، فخرجوا في مظاهرة نددت بأعمال سلطات الانتداب واستنكرت الإعدام، وذلك بعدما ألقى إبراهيم طوقان قصيدته في مدرسة النجاح بنابلس.(#)

وإذا كان للموت قوانينه الخاصة به فإنه، أيضاً، إرادة بشرية تدخل ضمن الإرادة الإلهية. والموت يبدو ضمن دائرة أكبر منه، وهي الزمن نفسه، فالزمن والموت نهائيان ليس بالمعنى الديني، أما التاريخ فهو الوسيط بينهما، فالتاريخ يقع بين الزمن وفواصله، والموت وقوانينه.

لقد أدرك الشاعر إبراهيم طوقان بعمق معنى الزمن ومعنى الموت ومعنى التاريخ في قصيدة “الثلاثاء الحمراء”، كما أدرك الهارموني الكوني الذي ينظم هذه القوى الثلاث. إنّه يشعر بالزمان واللازمان في وقت واحد، على حدّ تعبير ت. س. اليوت، والحس التاريخي هذا واضح جداً لدى إبراهيم طوقان. وفي قصيدة “الثلاثاء الحمراء” التقت قوى الزمن والتاريخ والموت، فانسجم إيقاع هذه القوى الكونية الثلاث مع إيقاع القصيدة، لذلك فإنها تتميز عن غيرها من قصائد ديوان إبراهيم، وتتكون ميزة هذه القصيدة من الشكل والموسيقى (الإيقاع والقافية).

إنّ شكل القصيدة وبناءها الداخلي، ينسجم مع مطلقيّة الموت والزمن داخل بناء فسيفسائي يعتمد التنويع الداخلي، داخل إطار محدد من قافية متكررة تحكم القصيدة كلها. إن حروف الروي في مقدمة القصيدة تُشكل كلمة “سَفَرْ”، أما حروف روي الساعات الثلاث، فتشكل كلمة “هَدَر”، كما تشكل حروف روي الخاتمة كلمة “نَهَرْ” وواضح هنا أن اعتماد هذه الحروف بالذات، دون غيرها، كان متقصداً من قبل الشاعر، لما يعنيه اجتماعها معاً في كلمات من دلالات نفسية وإيحاءات، قصدها الشاعر من هذا التركيب الإبداعي.

وتفصيل ذلك، الآتي:

مقدمة القصيدة: تبدأ المقدمة ببحر الكامل، وحرف الروي هو “السين”، ثم تنتقل إلى مشطور الكامل، وحرف الروي هو “الفاء”، ثم يعود إلى بحر الكامل، وحرف الروي هو “الراء”، ويظل ينتقل من بحر الكامل إلى مشطوره مع تغيير حرف الروي، إلا أن هناك حرف روي أساسيا يتكرر وهو حرف “الراء”.

الساعات الثلاث: تبدأ الساعة الأولى مستعملة بحر المتقارب وحرف الروي “الهاء”، وتبدأ الساعة الثانية مستعملة البحر نفسه وحرف الروي هو “الدال”. أما الساعة الثالثة، فتستعمل البحر نفسه ويتغير فيها حرف الروي فقط، ليكون “الراء”.

الخاتمة: تعود إلى بحر الكامل مع حرف روي هو “النون”، ثم إلى مشطور الكامل، وحرف روي هو “الهاء”، وأخيراً، تعود إلى بحر الكامل، وحرف الروي الأساس وهو “الراء”، وتشكل حركة القصيدة بهذا دائرة مقفلة، لا نهائية، مع وجود تنويعات داخل الدائرة.

والدائرة،وإن كانت دون بداية أو نهاية، فإنها ترمز إلى الكون، والأرض، والنهائية، والقلب، والمرأة، والقمر، الخ.. وهي رمز ديني في أكثر ديانات الشرق، كما أنها رمز سحري، أيضاً. وهي، كذلك، وحدة هندسية قابلة للتقسيم، وإذا تكررت هذه الوحدة، فإنها تمنحنا الشعور بالانعزال.

إنّ تعدد القافية وحرف الروي داخل القصيدة يشبه تماماً الزخرفة الإسلامية التي تعتمد الإبهار البصري ولا نهائية الوحدة الهندسية داخل أطر مغلقة.

وحرف “الراء” الذي يتكرر من البداية إلى النهاية، هو الإطار الذي تجري داخله الأحداث جميعها، وهو الإيقاع الكوني لكلمة “الدهر” أو “العصر”، أو الإيقاع الخفي داخل نفس الشاعر لكلمة “المتكبر” أو “المدبر”، وهما من أسماء الله الحسنى. إذ لا يمكن أمام الموت إلا أن يكون “المطلق” حاضراً ومهيمناً. فلقد وقف الشاعر أمام الموت الفاجع وغير المبرر والقمعي الوحشي، كما وقف أمام التاريخ المزري وحقائقه المخجلة، فلم يجد غير البحث عن مطلقيةٍ تقدم له الجواب الشافي، أو تضع تساؤله ضمن معادلات تستكين النفس إليها. وإذا كان الزمن والتاريخ نهائيين، فإن المطلق يحتويهما ويضعهما في إطارهما الصحيح. والشاعر هنا مدرك لطبيعة حركة الزمن داخل حركة التاريخ، ومدرك لطبيعة حركتهما داخل مطلق آخر، أيضاً، ولهذا فهو يصرخ في آخر بيت من القصيدة بإدراكه هذا بقوله:

“جبروته فوق الذي يغرّهم             جبروتهم في برّهم والأبحرِ”

فقد استعمل كلمة “جبروت” وهي من “الجبار” و”المتجبر” وهي تضاف إلى ما سبق ذكره من “المتكبر” و”المدبر”. وعلى ذلك فإن حرف “الراء” المتكرر، تعبير عن إحساسه بمطلقه الذي لا يتأثر بكل ما يجري من أحداث، أي أن الشاعر يحتمي بحرف “الراء” وما يمثله من تداعيات أمام الطغيان والظلم؛ ظلم الزمان وعسف التاريخ. وفي هذا الأمر تأكيد على قوة العاطفة الدينية لدى الشاعر الذي كان يعود إلى القرآن الكريم كلما حلت به مصيبة أو كربة، وفي هذه القصيدة جاءت العودة إلى الله الخالق-المتجبر، فنيةً، ذكيةً وغيرَ مباشرة.

إنّ العالم النفسي للقصيدة واضح جداً، فالمطلق يحاصرنا ويؤطرنا ويجعل من الظلم الأرضي مادة للعقاب في السماء، وأن جبروت أهل السماء سيسحق جبروت أهل الأرض، وأن هؤلاء الشهداء “سرقوا” أو “احتلوا” أو “عانقوا” ساعات ثلاث من عمر “التاريخ” ومن “سجل الزمن”. وهي وإن كانت ساعات مهمة في عمر الشعب والقضية، إلا أنها تبقى ساعات ثلاث فقط، في حين يتكون التاريخ من أيام وأشهر وسنين. فالساعة الأولى هي “بكر ساعات ثلاث كلها رمز الحمية”، أما الساعة الثانية، فهي “ساعة الموت المشرف” والساعة الثالثة، هي “رمز الثبات”.

الصورة الشعرية هنا لا تجديد فيها أبداً، والمعاني التي ساقها، هنا، مكررة ومستهلكة، وربما جاء استنطاق الساعات بجديدٍ هنا، وهو تقليد لشعراء التيار الرومانسي. إلا أن التجديد يتمثل في تغيير القافية، هرباً من تقاليد البيت في القصيدة الكلاسيكية وانفلاتاً من إسار القصيدة المركزية المكثفة، وفي هذا الجانب يعتبر الشاعر مجدداً من ناحيتي الشكل والأسلوب.

لقد استطاع الشاعر التعبير عن المطلق الذي يؤطر حركتي الزمن والتاريخ، والإرادة البشرية، من خلال الصراخ العالي الفني الذي انتقى له كلمات رفيعة داخل إيقاع موسيقي خطابي. فبحر الكامل ذو الموسيقى الصاخبة والنبرة العالية يناسب حديثاً عن حركتي الزمن والتاريخ.

وتقف الحكمة على جانب مهم من القصيدة. فنحن أمام سجل حافل، ولا بد من وقفات تعيننا على فهم هذا السجل، لذلك فإن الشاعر يقف بعد كل “حركة” ليقرر حكمة هامة، أو “ليبكي” أو “ليرثي”، وكأن هذا صوت “الكورس” الإغريقي القديم الذي يرثي البطل أو يقدم للحدث أو يعلق عليه. والشاعر هنا يقف بعد كل مقولة من مقولات الأيام ليبكي.

وعندما تحدث الشاعر عن “الساعات” واجه الحركة بأشد توتر لها، فانتقلت الساعات من كونها “زماناً” عادياً إلى “زمان” غير عادي، ولجأ إلى بحر الحركة والتوتر والكثافة، فالبحر المتقارب يناسب التوتر والحضور والسخونة.

ولكن، لماذا تكلم الشاعر على لسان “الساعات” وليس على لسان “الإنسان”؟

لقد نظر إلى الزمان، بمجمله، نظرة شمولية داخل المطلق الذي يؤمن به، ولهذا فقد رأى أن الساعات الثلاث جزء صغير من هذا الزمن الممتد المضطرب المحكوم بقوانين الموت.

“والموت في أخذ الكلام ورده  فخذ الحياة عن الطريق الأقصرِ”

وإذا كانت النظرة الشمولية هذه ليست مبتكرة، فإن الشاعر قد وقف أمام الشهادة (التي تعني الموت في النهاية) ووضعها في إطار من القضية الوطنية جعله يستحضر التاريخ والمطلق ليفسر هذه الحدة وعدم المعقولية، فجاءت القصيدة ذات بناء خاص، وموسيقى خاصة، لتصبح معادلاً موضوعياً أو بناءً هندسياً ذا قوانين خاصة تناسب رؤيته لحركتي الزمان والتاريخ والإرادة البشرية المؤطرة، دائماً وأبداً، بالمطلق الإلهي.

الشكل الفني:

بعد الدخول إلى مناخ الثلاثاء الحمراء النفسي، والبحث عن الدافعية الإيمانية (المطلق القادر) فيها، أعود إلى الشكل الفني الذي اختار له الشاعر حروفاً بعينها ليبني من خلالها ما أراد.

تتكون القصيدة (المقدمة) من ثمانية مقاطع، لكل مقطع منها بنية واحدة تمثلها المعادلة (س س س س/ ص ص ص ص/ ر) وبالتالي، فإنها تشكل ثماني وحدات مربوطة معاً، بعنصرين: الأول-البنية المشتركة (المعادلة)، والثاني-الراء التي تشكل دقة تقع في نهاية كل معادلة. وداخل هذه المعادلة تحدث متغيرات، حيث أن (س) و (ص) قابلة لقيم مختلفة تظهر هنا في شكل أحرف مختلفة. وهذه القيم المختلفة يتكون كل منها من مقطعين آخرين تجمع كل واحد منهما قيمة واحدة. المقطع الأول من بيتين على البحر الكامل، والمقطع الثاني من بيت على البحر نفسه.

س س س س (لما تعرض نجمك المنحوس/ وترنحت بعرى الجبال رؤوس/ ناح الأذان وأعول الناقوس، فالليل أكدر والنهار عبوس)- المقطع الأول.

ص ص ص ص  (طفقت تثور عواصف/ وعواطف/ والموت حيناً طائف/ أو خاطف) المقطع الثاني.

وبالتالي فإن كل مقطع يتكون من ثلاث وحدات يساوي س ص ر.

س: عبارة عن أربعة أحرف تساوي قافية واحدة. إذن يوجد في القصيدة ثماني قيم لـِ (س).

ص: لها، أيضاً، ثماني قيم بالطريقة نفسها، بينما لها قيمة واحدة فقط، لأن الحرف هو نفسه.

المقطعان س، ص معاً يشكلان 16 قيمة، أي ستة عشر متغيراً، مما يسمح بإعطاء ديناميكية مكونة من س، ص كوحدة واحدة مضموناً. ولكن كيف تكون العلاقة بين الشكل والمحتوى؟ وكيف تظهر حركة المضمون في وحدة وصراع الشكل والمحتوى الذي يقود إلى التطور الدرامي؟

إن س، ص مختلفان، ولكن هذا الاختلاف يتكرر في طول القصيدة (أي المقاطع الثمانية) بحيث يتكون ثمانية اختلافات، ولكن في الوقت نفسه، هناك ثمانية تشابهات. في داخل كل مقطع يوجد اختلافان وثمانية تشابهات. ولو قارنا هذه الديناميكية (أي وحدة الاختلاف والتشابه) لفوجئنا، بالدرجة الأولى، بثبات الراء، بمعنى آخر، بالصراع داخل س، ص عبر تناقضهما وعبر تشابههما، وفي صراعهما معاً مع الراء، بحيث يبدو، كنتيجة، أن الصراع ينتهي باستمرار بنهاية واحدة هي الراء، وهذه النهاية في أول أربعة مقاطع تُختتم باستمرار بمأساة، مما ينتج في النهاية إحساسا بثورة تنتهي باستمرار بالنتيجة نفسها، التي هي مأساة أو موت.

أما المقاطع المتبقية، فهي أربع نصائح أو حكم، ما ينتج مرة أخرى صراعاً مكثفا بين أول أربعة (راء) وآخر أربعة، حيث أن آخر أربعة (راء) هي عبرة مكثفة من التجربة تستهدف تغيير النتيجة في القسم الأول.

إنّ البنية الداخلية الفيزيائية للمقاطع بنية متحركة تماما بما يسمح بتحرك المحتوى، أي بما يسمح بالتعبير عن تنامي الصراع نفسه ممثلاً بأول أربعة (راء) تنتهي بالمعادلة نفسها، بينما فيها أربع تجارب تاريخية، الأولى “الثلاثاء الحمراء”، والثانية محاكم التفتيش، والثالثة العبودية الرأسمالية، والرابعة جمال باشا السفاح، وتنتهي باستمرار بالمأساة نفسها، ما يعني أن الراء هي تكرار لنتيجة المحتوى، وليست مجرد تكرار لحرف. وعلى ذلك، فإنه بمقدار ما لا تسمح به هذه البنية بعرض الصراع، أي بعرض المحتوى، بمقدار ما يكون هنالك انفصال بين الشكل والمحتوى الفنييّن.

الموسيقى:

بما أن الموسيقى ترتيب معين للأصوات، فإنّ الموسيقى الفيزيائية – التي تسمى أحيانا بالجرس- هي ترتيب معين للأصوات داخل القصيدة. وبما أن الكلمات تتكون من أصوات، فإنها تحمل في داخلها ترتيباً معيناً، والموسيقى الفنية ليست في انعدام الترتيب، لأن الموسيقى السيئة جداً هي، أيضاً، ترتيب، بل في الشكل العيني الملموس لهذا الترتيب ومدى نجاحه، أولا: كموسيقى، بصرف النظر عن المعايير التي تحدد ذلك. وثانياً: كموسيقى تخدم المحتوى، أي أنها موسيقى المحتوى، أو المحتوى الذي صار موسيقى، والموسيقى التي صارت محتوى.

وفي الحالة الأخيرة فقط، بإمكاننا أن نتكلم عن الموسيقى الشعرية، أي عن وحدة الموسيقى، كشكل في المضمون.

إنّ تكرار الأحرف، والواقع الناتج عن هذا التكرار، هو أول مقدمة أو جزء من الموسيقى الكلية، فمثلاً: س هي (كموسيقى وليست كقافية) عبارة عن أربعة أصوات ذات متغير واحد تختتم أربعة مقاطع موسيقية.

والأمر نفسه بالنسبة لـ (ص) و (راء). وكل معادلة هي تكرار للمعادلة الأخرى، ما ينتج، أيضاً، وقعاً معيناً متشابها هو، في نهاية الأمر، تعبير عن وقع المضمون، أي وحدة الحديث.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الأحرف التي تشكل الأصوات محكومة بوقعٍ أساسيٍ آخر هو ترتيب الأصوات الثابتة والمتحركة بنظام معين، يظهر في النهاية كتفعيلة. ووحدة التفعيلات تشكل س، ص، ر. وهذه اكثر بعداً واختفاءً من وقع الأصوات المباشرة ككل (عدد الأحرف العربية وأصواتها) ووحدة التفعيلة تظهر في البيت. والواقع أن المقطع جميعه، مقسم إلى الفقرات التالية:

أولا: س  بيتان على البحر الكامل.

ثانيا: ص         بيتان على البحر الكامل.

وهي تكوّن نصف المقطع، وعلى ذلك فإن نصف الصراع يجري في س.

والمسألة الأكثر دقة هي ص، إذ أنها مقسمة إلى أربعة ص، أي بحجم س، بالرغم من أنها تشكل نصف س، مما يعني حركية موسيقية تضاهي من الناحية الدرامية قوة س مضاعفة ما يسمح رياضياً بالقول: إن ص تربيع يساوي س، مما يظهر كثافة الصراع في ص.

وبعد ذلك مباشرة يأتي الربع الأخير الذي هو في الواقع ثُمن س من ناحية القافية، ولكنه يساوي الربع من ناحية بطء الوقع، ما يعني أننا نصل القمة الدرامية في ص ونهبط (الخاتمة) في راء.

من هنا، يكتسب تحليل ص أهميةً، لأنه تحليل  للقمة الدرامية، فمن ناحية الوقع يساوي سرعة القافية، وبالتالي الموسيقى، لأن التفعيلة تقسم على أساس القافية. مثلاً: في ص نرى الفصل بين بيت واحد (ست تفعيلات) يصل إلى أربع وحدات: تفعيلتان وحدهما تشكلان وحدتين، والبقية وحدتين، ما يزيد، أيضاً، من سرعة الوقع الموسيقي. بهذا الفهم نرى أن سرعة الوقع تصل القمة في ص، وترجع إلى حركة بطيئة جدا في راء.

ولفهم علاقة هذه السرعة بالمحتوى، أشير إلى التناقض الداخلي الأساسي بينهما: ص في المقطع الأول هي:

طفقت تثور عواصف                 وعواطف

والموت حيناً طائف                  أو خاطف

وبالتالي، فجوهرهما هو الموت والغليان، ما يجعل المحتوى يتصاعد مع سرعة الوقع، بحيث نستطيع القول: إن سرعة الموسيقى هي تعبير، أو شكل آخر، عن سرعة الموت والغليان أو الثورة العاطفية، ما يجعل الشحنة العاطفية تسير باتجاهٍ دراميٍ واحدٍ، بينما العكس تماماً يحدث في ص6 وهو:

حمل البريد مفصلاً   ما أجملا

هلا اكتفيت توسلاً  وتسولا

حيث تبدو السخرية في التساؤل، كما يظهر ذلك مثلاً في التسوّل والتوسل، ما يجعل الوقع الموسيقي يزيد من حدة السخرية في الحقيقة، وليس في المأساة، وبهذا تتضح الصلة الداخلية بين الموسيقى والمحتوى.

التجديد والتقليد:

تطرح البنية الفيزيائية للمقدمة من الناحية الفنية سؤالاً حول الإبداع: ما هو التقليد وما هو التجديد في هذه البنية؟

في س يوجد بحر كامل بصدر وعجز ينتهي بـ (س)، وهذه بنية ليست جديدة في تاريخ الأدب العربي الكلاسيكي، والأمر نفسه يقال بالنسبة لتركيبة ص، ر. ولكن التجديد يكمن في ترتيب المعادلة بهذا الشكل وتكرارها ثماني مرات، رغم أن هذا التكرار في بنية فيزيائية محددة، بحد ذاته ليس جديدا، أيضاً، فالجديد إذن هو تكرار البنية الجديدة على وجه التحديد، مما يعني أن البنية الفيزيائية للشكل الفني تشكل طفرة بالنسبة لأشعار طوقان ككل.

الصورة الشعرية:

تدخل الصورة الشعرية ضمن البنية الفيزيائية للشكل الفني باعتباره نقل المحتوى المجرد إلى مستوى المحسوسات، تماماً كما أن قوانين الرياضيات التي تتحكم في دار معينة، تترجم نفسها في نهاية المطاف كصورة معينة للدار.

من الملاحظ أن “الثلاثاء الحمراء” قصيدة ذهنية، بحيث أن أقوى صورة ملموسة فيها هي المقطع الأول، وإن كانت تفتقر إلى حد كبير للّون، بحيث يمكن القول.. إنها صورة بالأبيض والأسود فقط. ولكنها تستعمل الصوت بشكل محسوس، وتحديداً في قوله:

“ناح الأذان وأعول الناقوس”

وهي مستمدة من الأحداث الفعلية(#)، لذلك فإن استعمال الصوت واللون والصورة بهذه الندرة، يلقي بالعبء الأساسي، في التعبير عن المضمون، على البنية الفيزيائية للقصيدة.

في المقطع الأول يبرز الصوت واللون كمكونين مركزيين للصورة الشعرية، أما في المقطع الثاني فإنه يلجأ إلى الصوت والتشخيص، أي تحويل الزمن إلى شخص بإعطائه صفات الإنسان، ولكنه لا يوضح معالم هذا الإنسان، ما يجعل الصورة باهتة غير محددة. في حين يشخّص محمود درويش التاريخ تشخيصاً واضحا، بقوله:

“أرى التاريخ في هيئة شخص   يلعب النرد ويمتص النجوم”(#)

حيث نرى لعبة النرد واليدين والشيخوخة وحركة الفم والنجوم في داخله.

ويبقى الصوت هو الأداة المركزية في شكل حوار بين تشخيصّين ليومين تاريخيين بانعدام الوضوح نفسه. وما يقال عن المقطع الثاني، يصدق على المقطع الثالث مع اختلافات قليلة، لا تسمح بالإحساس بصعودٍ أو هبوطٍ في الصورة. أي أن عدم استعمال هذا الجزء الأساس من البنية الفنية (الصورة) يجعل القصيدة (المقدمة) مقدمةً ذهنيةً. والفكر المجرد، إلى حدٍ معين، هو ما يشكل جوهر الأسلوب الفني في جانبه الشكلي.

الأسلوب الفني:

ليس المقصود بالأسلوب الفني الحرفيات التكنيكية، بل العقائدية التي تحكم العمل الفني ككل. وبهذا الفهم تكون الحرفيات التكنيكية، بما فيها الجزء الفيزيائي من الشكل الفني، محكومة بالأسلوب، والأسلوب بالعقائدية، ما يوصلنا في النتيجة إلى المضمون، وخلال ذلك سوف نرى البنية الاجتماعية للشكل الفني.

تبرز العقائدية بأصفى أشكالها عند إبراهيم طوقان في النبوءة التاريخية التي يتميز بها شعره/ الموقف العدائي الجذري من بريطانيا واليهود والأنظمة العربية والطبقة الحاكمة. ويؤخذ على الشاعر هنا بروز انكسار حاد في زاوية الرؤيا أحياناً، في شعره بشكل عام، فتارة نجد المدائح لذات الفئات الإقطاعية والأنظمة العربية إلى جانب الموقف العدائي الجذري منها(#)، ويمتد هذا الحكم إلى قصائد الرثاء عنده، أيضاً.

وإذا ما قارنا طوقان بعبد الرحيم محمود، فإننا نجد أن الانكسار نفسه موجود في الرؤيا، فمن النبوءة والموقف مع الطبقة العاملة إلى قوله “نجم السعود”.. حيث نجد في القصيدة ذاتها التناقض أو الانكسار، ما يسمح بالاستنتاج أن هذا الانكسار كان يشكل في الحقيقة الحدود التاريخية للرؤيا عند الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. لكن إبراهيم طوقان يبصر إلى مسافة أبعد من عبد الرحيم محمود، وذلك يعود إلى تميز إبراهيم ثقافيا وفنياً.

إنّ الرؤيا، أو العقائدية، التي تحكم “الثلاثاء الحمراء” هي العقائدية نفسها التي تحكم البقية من قصائده، ولكن كون عملية الإعدام وارتباطها بالثورة ككل ترتبط بهذا الجانب غير المنكسر من رؤياه، فإنّ ذلك يعطيها صلابة عقائدية مميزة.

من هذا الاستنتاج، ليس عبثا أن الشكل الفني يتميز بالتجديد، جنباً إلى جنب مع التقليد، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون هذه القصيدة تشكل طفرة في شعر إبراهيم طوقان، فإنّ الجانب التقليدي في رؤياه يظهر في تقليدية كبيرة في الأسلوب، وبالمقابل فإن حدة الرؤيا والنبوءة، والجانب الساخر من شعره واستعماله للسخرية الشعبية، تمثل الجانب الأكثر إضاءة في عقائديته. من هنا تنشق الوحدة بين الأسلوب والمضمون وتتباعد. أي أنه إذا كانت لدي مثل هذه القدرة على التنبؤ، فإن صياغتها والتعبير عنها لا يمكن إلا أن يأتي بأسلوب جديد، إلا إذا كان هنالك شرخ في عقائديته ككل، أي أن التناقض في عقائديته يظهر في التناقض في الرؤيا، وبالتالي في الأسلوب.

وفي معظم قصائده، عامة، يبرز الأسلوب المحافظ، بينما هنا في “الثلاثاء الحمراء” تبرز الرؤيا جنباً إلى جنب مع التجديد، والسؤال هو: ما سرّ الإبداع في هذه القصيدة بالذات؟

إذا تأملنا التجديد عنده ككل، فإنه يبرز أساساً في شكل تجديد في الموضوع، من  قصيدة “بيض الحمائم” إلى “الثلاثاء الحمراء” أو “الفدائي” أو “الشهيد” أو “الحبشي الذبيح”.. وهذا يتطلب فهم العقائدية بشكل أعمق من مجرد العقائدية السياسية على وجه التحديد، حيث يبرز مثلاً تجديده في المواضيع وكأنه دليل على عقائديةٍ، ليست بالضرورة سياسية في جوهرها لقصيدتي بيض الحمائم، والحبشي الذبيح. من هنا يمكن تقسيم أشعاره جميعها من ناحية العقائدية فيها إلى:

أولاً: العقائدية الدينية.

ثانياً: العقائدية السياسية.

ثالثاً: العقائدية التي تمتد جذورها إلى الجنس، بالمعنى الفرويدي للكلمة.(#)

ولدى محاولة الدارس ربط هذه (العقائديات) في وحدة واحدة، فإنّه يصطدم بالتناقض بين العقائدية الدينية والعقائدية الجنسية، ما يعني أن عمق التناقض في عقائديته السياسية لا ينفصل عن التناقض بين العقائدية الدينية والجنسية، الأمر الذي يحيط المسألة بنوع من التعقيد والتركيب، ويظهرها على أنها ليست مجرد عجز في الرؤيا، وذلك يسمح بتقديم الفرضية التالية:

إنّ الترابط بين الغريزة الجنسية والأخلاق، ليس بحاجة إلى برهان من منطلق التحليل النفسي ولكن، أيضاً، لا يمكن الفصل بين الأخلاق الدينية والموقف الأخلاقي من الجنس.

ونجد في أشعار لم تنشر لإبراهيم طوقان، هوسا جنسياً، مما يعني أن موقفه من الجنس، أخلاقياً، موقفٌ مزدوج؛ فهو من جهة يتكلم بحب وجمالية ورمزية في بيض الحمائم والمكتبة، وبفضائحية كاملة في أشعار أخرى.. وما أريد تأكيده، هنا، هو أن الكبت الجنسي موجود جنباً إلى جنب مع الإباحية، والمحافظة السياسية موجودة إلى جانب المعارضة السياسية. ويبدو أن تغيراً معينا فجائياً (لا واعياً، كما يعبر فرويد) قد أنتج طفرة فنية في لحظة من لحظات الثورة الخاطفة.

في بنية “الثلاثاء الحمراء”، من ناحية الأسلوب، نجد لبرهنة الفرضية السابقة، التناقض التالي:

في المقدمة يوجد تجديد، ولكن في الساعات الثلاث يوجد ارتداد من ناحية الشكل الفني الفيزيائي إلى النمط الكلاسيكي، ونجد، أيضاً، في المقدمة (كمقدمة ذهنية) مستوى فكرياً رفيعاً وجديداً؛ فمن محاكم التفتيش إلى نقل العبيد من أفريقيا إلى جمال باشا السفاح إلى المندوب السامي.. إلى تكتيل الممارسة ونقده لها.. يرتد إلى عاطفية مكررة بحيث أنه، من ناحية المحتوى، يوجد هبوط كامل تقريباً في المستوى الذهني، وتكرار لمحتوى الساعات الثلاث نفسه، حيث أنها من ناحية المستوى الذهني والعاطفة عبارة عن تكرار.

من هنا أرى أن المقدمة وحدها شهدت الطفرة، وليس القصيدة ككل، وبالإضافة إلى ذلك يبدو التكرار للمقاطع في المقدمة وكأنه قد عثر على قالب لم يرد الخروج عنه، أو لم يجسر على ذلك، حيث يمكن القول: إنّ الطفرة الإبداعية تتجسم أساساً في المقطع الأول، ويدعم هذا القول، كون الصورة الوحيدة الواضحة هي في المقطع الأول.

إنّ هناك ثورة عاطفية لا واعية برزت في المقطع الأول، ولم يستطع الشاعر المحافظة عليها إلا بالرجوع إلى التجريد الذهني، أي قتل هذه الثورة وتطوير ذهنية القصيدة. فمن الناحية الفنية أخرج هذا الأمر مقدمة متماسكة، ولكن من ناحية التجديد بدا على أنه نتاج لطفرة أولية.

ولكن، ما طبيعة هذه الطفرة بالتحديد؟

منذ المقطع الأول في (س) نجد صورة النجم وترنح الرؤوس في الحبال، كما نجد فوق ذلك صورة حادة تماماً للموت والقبر، مقابل رجوع إلى التاريخ ومحاكم التفتيش في المقطع الثاني. وأول ما يلفت الانتباه، هو الابتعاد الكامل في طبيعة الدافع (الموت) والتخيل الناتج عنه (محاكم التفتيش). وقد يكون التفسير الأسهل للاختلاف في المقطعين هو التداعي، إذ الشيء بالشيء يذكر. ولكن لو تتبعنا المقاطع الباقية لوجدنا أن هذا التداعي يتحول إلى تثبت عند المقارنة التاريخية، ما يوحي بأن هذا الذهن فقط هو الذي أخذ يقود الآن العملية الإبداعية، في حين أن الموت والإعدام والأجراس هي التي قادت الإبداع في المقطع الأول، وفيما بعد، باتجاه النهاية، يرجع للسخرية والحكمة أو النصيحة التي تدل على شيئين: الأول – أنه قد بدأ في خياله، ينشطر إلى شخصيتين: شخصية تنظر إلى الشعب، وشخصية تنصحه، والثاني- أنه رجع تماما إلى ذاته الساخرة السابقة.. وهذا الانتقال من حالة ذهنية فيها الإحساس الحاد بالموت، إلى حالة فيها التاريخ والشعب والمعلم والساخر- تحمل في داخلها نقلة جوهرية في الوعي. بهذا أستطيع القول: إن هذه النقلة هي التي لم تسمح له بخلق شكل فني جديد للمقاطع الأخرى.

بين الوطني والسياسي:

تضع قصيدة “الثلاثاء الحمراء” الدارس أمام مصطلحي “الشعر السياسي” و”الشعر الوطني” في طريقة لتأطيرها داخل هذين المصطلحين اللذين شاعا في أوساط الدارسين لشعر فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وعلى ما يبدو، فإنّ السياسة تختلف عن الوطنية لارتباط الأولى بالأشخاص والأحداث، في حين ترتبط الوطنية بالوطن نفسه الذي هو أشمل وأوسع وأبقى. لذلك أستطيع أن أقرر أن الشاعر إبراهيم طوقان كتب الشعر الوطني، أكثر مما كتب الشعر السياسي إذ “لا خلاف في أن الشعر الوطني غير الشعر السياسي، فبين اللونين فروق وتفاوت، إذ ليس كل سياسي بوطني، ولا جاز الضد، وإنما قد يكون المرء آخذاً منهما أو منفردا بأحدهما”(#).

وإذا كان الشعر الوطني هو شعر سياسي في الوقت نفسه، فإنّ الشعر السياسي ليس وطنيا في معنى من المعاني، بعدما ارتبطت السياسة بالحرفة والمنفعة الخاصة والظهور بمظهر الوجاهة والنفوذ. إنّ الصدق الفني أساس تقييم الشعر الوطني السياسي، وإبراهيم طوقان في وطنياته صادق وطني، لا سياسي مدُّعٍ.

لقد أدرك الشاعر بحسه الصادق وبُعد نظره أهمية النشيد والقصيد في تربية الأجيال والتأثير فيها، “فكان، كلما هزته حادثة وطنية، وضع لها أنشودة حماسية ليتردد صداها في دنيا العرب.”(#) وبقدر ما حارب سماسرة الأراضي والمستعمرين والمتاجرين بالقضية، كان شعره مليئاً بالنقمة والمرارة والتهكم على محترفي السياسة ومدعي الوطنية(#).

ويجد الباحث والمؤرخ لقضية فلسطين في شعر إبراهيم طوقان جوانب خفية من الحركة الوطنية الفلسطينية، كما يعثر على وثائق تؤكد دراسته من خلال إشارات دالة في قصائده(#)، وعندما كان الشاعر يلقي قصائده أو يكتبها، لم يكن يهمه أن يتملق الجمهور، أو أن يرضيه على حساب القضية ليكسب شهرة أو مجدا، بقدر ما كان مدفوعاً بإيصال رسالة واضحة ومحددة نابعة من شعور وطني صادق وألم حقيقي لما يجري من أحداث في ساحة الحياة والبلاد. وتوفر قصيدة “الثلاثاء الحمراء” مثالا واضحاً على شاعرية الشاعر التي تفجرت بفعل شعوره الوطني المعهود.

عنوان القصيدة:

لعل عنوان القصيدة (الثلاثاء الحمراء) يغطي، بدايةً، الحدث ويؤرخه ويصفه. والعنوان في حد ذاته أصبح عنوانا لأحداث البراق، فما أن تذكر الثلاثاء الحمراء حتى تحضر في الذاكرة والنفوس أجواء الثورة وإعدام الأبطال وسجن عكا، ويعود ذلك لسببين: أولهما أن القصيدة تناقلتها الأجيال عبر دراستها من خلال المنهاج المدرسي الإلزامي، وثانيهما أن زجلية عوض النابلسي التي مطلعها (يا ليل خلّي الأسير تا يكمل نواحو)(#)، والتي تغنيها فرقة العاشقين الفلسطينية وتستعرض في بداية غنائها قصة استشهاد الأبطال جمجوم وحجازي والزير، ساهمت في تكريس “الثلاثاء الحمراء” كعنوان مضيء كبير، كما عملت على تعميقها، وجعلها لافتة معروفة مثلما أثبتتها كملمح من ملامحنا الوطنية النضالية.

وعنوان القصيدة يعترف باللون كلغة، إذ أن اللون، في حدّ ذاته، لغة قادرة على حمل المدلولات الكافية لإيصال المعنى، فالأخضر يعني الخصب والزرع، والأحمر الدم والعنف. بمعنى أن إبراهيم طوقان من الذين أسسوا لتوظيف اللون كلغة، حتى أصبح الشعراء، يحمّلون اللون معاني ودلالات خاصة بهم، أو مقاربة لما أمست تعنيه في أذهان القراء والمستمعين، مثل “إلى الجحيم أيها الليلك”، أو “زرقة الأحزان” أو “ليل البنفسج”،أو “حليب أسود”، أو غير ذلك.

وعنوان القصيدة أسس، كذلك، لبداية واسعة تفسح المجال لربط أحداث ما بالأيام التي وقعت فيها كالسبت الأحمر، والأحد الأسود، أو حتى بالأشهر كأيلول الأسود وما إلى ذلك. ولعل تراثنا العربي استخدم اللون للدلالة على معانٍ محددة كقولهم (ضحكة صفراء) كما ربطوا الأحداث بالأيام والسنين كقولهم (سنة الثلجة) أو (المجاعة) أو (الطاعون)، ولكن تتجلى قدرة طوقان في التقاط هذه الذرات والمفاهيم من تراثنا، وتوظيفها لتصبح قادرة على تكثيف الأحداث كلها، وتركيزها بكلمتين خالصتين من شوائب الاستهلاك اليومي، ونقلهما من مستوى العادي المتكرر إلى مستوى الجدّة والعذرية(#).

تأثير القصيدة:

حازت “الثلاثاء الحمراء” على شهرة كبيرة وضعتها في مصاف ما أنتجه كبار المبدعين في وقتها، وما زالت قيمتها الفنية والتاريخية مستمرة إلى أيامنا هذه، حتى أنها أصبحت أحد عناوين النضال والتحدي للاستعمار والاحتلال في العالم العربي، وهي تؤرخ، في الوقت ذاته، لثورة البراق التاريخية في السجل الفلسطيني المقاوم، وتلمح إلى نهج الفداء الذي يختطه الثائر الفلسطيني.

لقد فعلت القصيدة فعلها في تثوير الجماهير الفلسطينية وترسيخ وعيها وتأطيره بما احتوته من صدق في التعبير، وسعي فني للتنوير، واستمرار الغضب الثوري، وبثّ الحماس في النفوس. وفي هذا كلّه يتجلى الدور الاجتماعي للفن والقيمة الجمالية والادراكية والتربوية والتوصيلية، إذ “تتطلب معرفة جوهر الفن، أول ما تتطلب، دراسة صلاته بالواقع وبالوعي الاجتماعي والفردي لدى البشر، وتأثير المجتمع في الفن الذي يتم عبر الفنان، وكذلك تأثير الفن في المجتمع الذي يتم من خلال إنجاز الفن لوظيفته. وعبر هذه العملية الأخيرة يتجلى الدور الاجتماعي للفن”(#). إنّ استيعاب علم الجمال يعين البشر على أن يعملوا بوعي على تغيير الطبيعة والمجتمع وفق قوانين الجمال، ويوجّه جهودهم صوب خلق قيم جمالية جديدة”.(#)

بهذا الفهم أراد إبراهيم طوقان أن تكون “الثلاثاء الحمراء”، أما القصيدة والواقعية الفعلية، منارة تغيير في المجتمع وللمجتمع. وقد حقق ما أراد من ناحية تحريك الفعل التثويري الغاضب في القارئ والمستمع. والشاعر هنا أراد أن يستحث الإنسان من خلال تصوير بشاعة الظالم، وأبقى على التفاؤل وحارب اليأس مقتدياً بنهج الواقعية التي تهدف “إلى تغليب عامل الخير والثقة بالإنسان وقدرته، وهي وإن كانت تتخذ مضمونها من حياة عامة الشعب ومشاكله، إلا أن روحها متفائلة، تؤمن بإيجابية الإنسان وقدرته على أن يصنع الخير، وأن يضحي في سبيله بكل شيء، في غير يأس ولا تشاؤم ولا مرارة مسرفة.”(#). وبناء على هذا، فإن “الثلاثاء الحمراء”، الأنموذج التاريخي والفني، جسّدت العمل الشعري المبدع من خلال صفاتها وأثرها في الناس “فالعمل الشعري الجيد المبدع، هو الحلم، وهو رؤية المستقبل في تماس مع الحياة، تتجاوز الماضي والحاضر لمهمة إنسانية”(#).

وعندما كان إبراهيم طوقان يلقي قصائده الوطنية، و”الثلاثاء الحمراء” بالتحديد، كان يحدث أثراً تثويرياً وتغييرياً في جمهور مستمعيه، “إن التأثير المتبادل بين الأديب وجمهوره قادر على تغيير الأديب وجمهوره معاً، إذ يبعث في الأديب حياة وينشر بين الجمهور وجداناً ومناخاً يمكّن من الوصول إلى منابع التغيير الأول.(#)

لقد كان إبراهيم طوقان أديباً حقيقياً صادقاً يتلمس القضايا الملتهبة ويثبتها في ديوانه الشعري، بصياغة فنية متمردة، “إن الأديب الحقيقي هو الذي يشعر بمسؤولية تجاه أحداث زمانه، في وطنه، وفي العالم، إذ أن هذين المفهومين مترابطان لا غنى للواحد منهما عن الآخر، وقديماً قال أرسطو:: “إني أثيني، ولكن وطني هو العالم”(#).

إنّ ثقافة الشاعر وعمق إحساسه وانتمائه الوطني قد صاغت تفجره الشعري بقالب مغاير لم يرمّز فيه، ولم يكن غامضاً، بل صادقاً واضحاً استحضر العذابات الإنسانية وجمعها في بوتقة واحدة وأبقاها في النهاية عاجزة عن تجاوز الكلمات ودلالاتها، وصعّد من حدة تأثيرها من خلال ربط الظلم في عدة مواقع، معاً. “إن الرمزية في الأدب يقابلها الاستعمار في السياسة، والتصالح الطبقي في المجتمع. ولهذا فإن كل رمزية ضبابية في العالم الثالث (الذي ينبغي أن تتفجر فيه التناحرات على أشدها) مدانة سلفاً، ومحكوم عليها بأنها تفرغ الأدب من فعاليته التثويرية.”(#). وهي تبعد الأدب عن كونه أداة مقاومة، واحتجاجاً وتوعيةً، لتحيله إلى ألفاظ غامضة بعيدة عن ذوق القارئ أو المستمع، وغير مؤثرة في وجدانه وأحاسيسه، وتحوّل الشعر من فن للعامة إلى شعر للنخبة. والشعر العربي في العقود الأولى من القرن العشرين لم يعرف مثل هذا الغموض ولا هذا التبعثر، مع أن تلك المرحلة كانت مرحلة انتقال وتحول(#).

وعليه، فإن “الثلاثاء الحمراء” قصيدة تمارس تأثيرها في شتى العصور، لأنها من الآثار الفنية الأصيلة الباقية(#)، والتي تخطت وقتها لتمارس في الأجيال اللاحقة وتسم المراحل اللاحقة بميسمها الثوري العالي المجيد.

روافد القصيدة:

يقول الشاعر مُريد البرغوثي:”إن العمل الفني عموماً هو تلك القدرة على تحويل الواقع إلى فن”(#)، الواقع خليط من المعطيات والإحداثيات والإرث وتراكماته ومتعلقاته. وقصيدة “الثلاثاء الحمراء” كعملية إبداعية استمدت خصائصها مما يتمتع به المبدع من استعدادات(#)، واستعدادات إبراهيم طوقان ومكوناته الثقافية عالية غنية، وذلك يظهر جلياً من خلال توظيفه لعدد من المقولات الشعبية والثقافية والدينية، الأمر الذي جعل القصيدة توفر ميداناً نموذجياً لإبداع طوقان، تمكّن الدارس من أن يضع يده على الأبعاد التي تشابكت واندمجت في شخصية الشاعر التي أفرزت هذه القصيدة.

وفي القصيدة، ثمة أبعاد متنوعة اندمجت معاً، أستطيع تصنيفها على النحو التالي، ضمن الإطار العام الذي طغى على “الثلاثاء الحمراء”:

الأبعاد التاريخية:وتمثلت من خلال الإشارة الصريحة إلى: محاكم التفتيش، بيع العبيد، مذابح عاليه وجمال باشا السفاح. هذه الأبعاد هي أحداث تاريخية حقيقية تشكل معادلاً موضوعياً لشنق الأبطال، وتصوّر القمع والذبح والقتل على مدار التاريخ.

الأبعاد الدينية: وتمثلت من خلال الإشارة الواضحة إلى : يوم المحشر، الجنّة، الملك القدير، الآذان، الناقوس، الشهيد، الإله، والعفو والغفران. وهذه الأبعاد نجدها نصاً في القرآن الكريم ضمن سياق آياته البيّنات.

الأبعاد الشعبية: والمستمدة من الحياة اليومية، وهي من المميزات التي تفرّد بها شاعرنا عامة، وتمثلت هذه الأبعاد من خلال ذكره لموتيفات يومية منها: عاشت جلالته، وعاش سموّه، أنا ساعة القلب الكبير، الفضل لي بالأسبقية، صغارك الأشبال تبكي الليث، وأتى الرجاء، قلوبهم فتقطعا، صمّ الصخور، الموت في أخذ الكلام ورده. ولعل مصدر هذه الموتيفات، نجده في أحاديثنا اليومية العادية للتدليل بها.. أو للتوضيح أو للاختصار والتكثيف، وأعتقد أن هذه الأبعاد قد جاءت ضمن إطار عام للقصيدة ليخدم السخرية والحكمة الباديتين في “الثلاثاء الحمراء”. وتوظيف التراث والتاريخ والموروث الشعبي، عدا عن أنه يغني القصيدة، فإنه كذلك، يبرز قدرة الشاعر على ضخّ هذا الموروث في جسد القصيدة دون أن يظهر، وكأن هذا الموروث أو الموتيفات قد أقحمت في القصيدة، أو تظهر وكأن القصيدة مرصعة بهذه الأبعاد عمداً وبقصدٍ مقصود حيث.. أن الفرد المبدع لا يختلف كيفاً عن عامة البشر، إلا أنه يتميّز بالجمع بين كل هذه القدرات في وقت واحد وبدرجة عالية”(#). بمعنى أننا لو لم نمعن النظر في تفاصيل القصيدة لما تبيّنا من وجود هذا الموروث وتلك الموتيفات، لأنها مندغمة في القصيدة، ومتماهية في روحها وجسدها، الأمر الذي حقق لهذه القصيدة جماليتها مثلما أكد دورها التثويري، لأن “العمل الشعري الذي لا جمال فيه لا ثورة فيه”(#).

قصيدة جديدة في شكلها ونهجها:

والقصيدة، لأهميتها البالغة، شكلاً ومضموناً، قد تناولها غير دارس لأشعار إبراهيم، أو للشعر الفلسطيني، ولعل ما قاله الأستاذ الجليل إحسان عباس، الذي رأى القصيدة تؤصل للشعر الفلسطيني، وتفتح الآفاق أمامه، خير ما ننهي به هذا الباب: “يمكن أن يعد عام 1930 بداية الشعر الفلسطيني الحديث، في الشكل والمضمون. ففي ذلك العام شنق الشهداء الثلاثة فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير. ونظم إبراهيم طوقان قصيدته “الثلاثاء الحمراء” في تخليد بطولاتهم، فجاءت قصيدة جديدة في شكلها الفني ونهجها. صحيح أنها في الشكل الخارجي تشبه الموشح، ولكنها موشح بالغ الدقة والتعقيد في دوراته، أما التجديد الكلّي فيها فهو ذلك التدرج الدرامي في حركة الأيام التي نطقت عن نفسها مشبهةً ذلك اليوم المهول – يوم إعدام الشهداء الثلاثة- والتدرج الدرامي في حركة الساعات الثلاث التي اختصت كل ساعة منها بالحديث عن مميزات كل شهيد منهم؛ ففي المراوحة بين الأيام الثلاثة والساعات الثلاث، وفي النقلة من نطاق الموشح في حديث الأيام إلى التباري الخطابي في حديث الساعات، كان إبراهيم يضع نواة مهمة في تطوير الشعر الفلسطيني

شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء

شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الثلاثاء الحمراء ويكيبيديا شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء للصف الحادي عشر الفصل الثاني شرح قصيدة الثلاثاء الحمراء الصف الحادي عشرمعلومات عن الثلاثاء الحمراء لماذا سميت الثلاثاء الحمراء بهذا الاسم بحث عن الثلاثاء الحمراء شهداء الثلاثاء الحمراء يوم الثلاثاء الحمراء