خطب جمعة مكتوبة للشيخ عائض القرني


خطب جمعة مكتوبة للشيخ عائض القرني

خطب جمعة مكتوبة للشيخ عائض القرني

ان الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهدِ الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً)).((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).أما بعد:

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهَديِ هَديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدَثةِ بِدعةْ، وكل بِدعة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، أما بعد أيها الناس: 

جاء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، رجل أعمى فاقد البصر، لكنه نير البصيرة، وهناك عمى لا طب له ولا دواء!! وهو عمى القلب، ((أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)). والعمى هنا عمى القلب، أما الذي وفد على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرجل عميت عيناه، فأبصر بقلبه.

إن يأخذ الله من عيني نورهما

ففي فؤادي وقلبي منهما نورُ

قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج

وفي فمي صارمٌ كالسيف مسلول

هذا الرجل الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان منارة من منارات التوحيد، قتل في المعركة، وقد استثنى الله العميان من حضور المعارك، أما هو فقد باشر القتال، وقتل شهيداً في سبيل الله.

ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أنا رجل أعمى، وبيني وبين المسجد واد مسيل، وأنا نائي الدار، وليس لي قائد يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي، فرأى صلى الله عليه وآله وسلم المشقة ورأى العذر واضحاً، فقال: نعم، ثم ولى الرجل، فانتبه صلى الله عليه وآله وسلم، كالذي نسي أمراً ثم تذكره، فقال: عليَّ به، ماذا تذكر صلى الله عليه وآله وسلم؟

ما الأمر الذي طرق أحاسيسه، وأعاد الأعمى من أجله؟ إنها فريضة الجماعة، فقال للرجل: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب)) وفي رواية: ((لا أجد لك رخصة))، إنني لا أستطيع أن أرخص لك في ترك الجماعة، ولو كنت أعمى ولو كان بينك وبين المسجد واد مسيل، ولو لم يكن لك قائد يقودك، ولو كان ما كان، ما دمت تسمع النداء، ويصل إلى قلبك هذا الوعي الرباني، أجب فإني لا أجد لك رخصة.

هذه في ذكرى للمتخلفين عن صلاة الجماعة، الذين ألهتهم أموالهم وأهلوهم عن ذكر الله، يجاور أحدهم المسجد ولا يزوره، ولو مرة واحدة في اليوم، ثم بعد ذلك يتشدق بإسلامه وبعقيدته الصحيحة، وربما رد على الدعاة وطلبة العلم!!. روى أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه عبد الحق الإشبيلي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر))،

أخذ المحدثون بهذه الأدلة فأوجبوا صلاة الجماعة، وأخبروا أنها لا تسقط إلا بعذر شرعي من مرض ونحوه، صف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه لصلاة العشاء، فوجد الصفوف قليلة فقام مغضباً وهو يقول: ((والذي نفسي بيده، لقد هممت بالصلاة فتقام، ثم آمر بحطب فيحتطب، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم))، وزاد أحمد : ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية))،

فقد همَّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرق على المتخلفين عن الجماعة بيوتهم، وهذا من أعظم الزجر على ترك هذه الشعيرة العظيمة، وروي في ترجمة رجل صالح أن صلاة الجماعة فاتته وما فاتته منذ أربعين سنة، فندم ندماً عظيماً، وتأسف أسفاً بالغاً، ثم قام يصلي وحده، فصلى سبعاً وعشرين صلاة؛

لأنه سمع حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((صلاة الرجل في جماعة تفضل عن صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) فصلى الصلاة التي فاتته سبعاً وعشرين مرة، ثم نام، فرأى في المنام خيالة يركبون على خيول عليهم ثياب بيض، ثم رأى نفسه على فرس وحده، يحاول أن يلحق بهم فلا يستطيع، فيضرب فرسه ليدركهم فلا يقدر، ثم التفتوا إليه وقالوا: لا تحاول، نحن صلينا في جماعة، وأنت صليت وحدك!!.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث الأمة على صلاة الجماعة، وكان الصحابة يعتقدون أنه لا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.

اقرأ ايضا: